تحاول بعض السيدات إخفاء خصوصيات بيوتهن وأسرهن عن الآخرين؛ حفاظا على استمرار الحياة الزوجية في أمان وعدم السماح لأحد من بعيد أو قريب بالتدخل في حياتهن دون أن تدري أولئك السيدات أن في منازلهن وكالات إعلام لنقل الأخبار أو أطباقا لاقطة تبث الخبر بثا حيا، وذلك من خلال أطفالهن بكل عفويتهم وبراءتهم، حيث يتفوهون بما يحدث في منازلهم من مواقف وأحاديث قد يرغب الكبار في إخفائها عن الآخرين، وهذا البوح من قبل الصغار غالبا ما يضع ذويهم في مواقف محرجة وأخرى قد تتسبب في إشكاليات عائلية. ضحكت جميلة العبدالقادر عندما تذكرت عددا من المواقف التي جلبت لها ولزوجها الإحراج عندما كشف صغيرهم النقاب عن أمور تخص المنزل أمام الآخرين، رغم تنبيهها الدائم له بضرورة عدم الحديث مع الآخرين عن الأمور التي تحدث في المنزل إلا أن جهودها لم تفلح. وذكرت موقفا وضعها فيه أحد الأبناء عندما قال أمام جدته لأبيه إن والدته لا تحب أن تحضر إلى منزلنا: «بمجرد دخول حماتي المنزل صرخ الطفل: «تيتا ماما لا تحبك تيجي عندنا» وكان الإحراج كبيرا بالنسبة إلي وإلى زوجي، إلا أن حماتي داعبت الصغير ولم تأخذ كلامه على محمل الجد حينها، إلا أن زياراتها لنا قلت فيما بعد، مع أنني حاولت إثبات خطأ الصغير وأن كلامه غير حقيقي، وقدمت لها هدية لإثبات حبي لها، وما زلت أشك في قناعتها بالتبرير». قطيعة بسبب الصغار توضح «أم قصي» أن ابنها قضى يومين لدى منزل جده ليعود بعدها إلى المنزل بمشكلة عائلية من الحجم والعيار الثقيلين: «هي غلطة كان لا بد لي من الحذر منها، إلا أن الأوان قد فات، فخلال تواجده في بيت جده أطلع الصغير جدته على أحاديث ومشاجرات كانت تحدث بيني وبين زوجي نتيجة تدخلها في عدد من الأمور الخاصة بنا، وصرح الصغير للجدة بأنني لا أحب تدخلها، وأنني أطلب من زوجي عدم السماح لها بالتدخل وإلا أعود إلى منزل أهلي، وزاد الموضوع تعقيدا بسبب المواقف التي أشعلت نار الحماة». وتضيف: «فوجئت بحماتي على الهاتف تنقل لي عبارات وكلمات قلتها عنها، الدهشة والخجل والإحراج عقدوا لساني لحظتها ولم أستطع المناقشة أو المجادلة، وإلى اليوم لا تزال حماتي تأخذ مني موقفا معاديا، فاسترسال طفلي في الكلام والشرح أمام أهل زوجي جعل مني ضحية لما ذكرته أمامه دون اهتمام ومراعاة لوجود الصغير وإمكانية نقله المباشر لحديثي». سحب اللسان فيما حمّلت سمر السعيد مسؤولية إفشاء أسرار المنازل من قبل الصغار إلى الكبار الذين يلجؤون إلى استدراجهم بطرق وأساليب مختلفة، ودفعهم إلى الكشف عما يدور في منازلهم وبين أفراد أسرهم. وتؤكد سمر أن: «البعض هو الذي يدفع الصغير بأسئلته إلى سرد ما يحدث»، وبرهنت على ذلك بقصتها الواقعية مع جارتها التي تستغل دخول صغيرتها للعب مع أبنائها لتبدأ بسؤالها عن أمور الأسرة: «عندما تعود طفلتي إلى المنزل تبدأ بسؤالي أسئلة غريبة عرفت فيما بعد أنها توجه لها من قبل الجارة التي لا يفوتها أن تسأل أيضا عما أكلنا وأين ذهبنا، ومن أين جئنا؟». وتعترف سمر بأنها غير قادرة على منع صغيرتها من الحديث مع الآخرين عما يحدث داخل محيط العائلة، وتشير إلى أنها ليست الوحيدة التي باتت تخشى أن يزل لسانها في الحديث أمام صغير يورطها فيما بعد في مشكلة أكبر، بل إنها وكثيرات أصبحن يخشين زلات اللسان وكثيرا من المواقف التي تندرج ضمن نطاق: «أسرار وأحاديث عائلية ليست للنشر». أساليب المعالجة قد يكون الطفل مقلدا لوالديه، وتفاديا لكثير من الإحراج والخجل وحتى الاشتباك مع الآخرين بسبب إفشاء الصغار لأسرار الكبار يوضح اختصاصي علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي أن: «الخطوة الأولى في تفادي ذلك كله تكمن في تعليم الطفل أن إفشاء أسرار العائلة والمنزل من الأمور غير المستحبة التي تزعج الوالدين، وأن هناك أحاديث أخرى يمكن أن يجذب من خلالها الآخرين». ويؤكد الخزاعي: « ضرورة أن يفهم الأطفال من قبل ذويهم معنى خصوصية ما يدور في المنزل بحيث يعي الصغير أن هناك أمورا لا يجب أن يطلع عليها حتى الأقرباء والأصدقاء، ومع مرور الوقت، سيدرك معنى ومفهوم خصوصية المنزل، فبعض الأطفال يشرعون في الحديث عن أهلهم ومنازلهم وأشقائهم ليجذبوا انتباه واهتمام الآخرين، وقد يكون الأطفال بذلك مقلدين لآبائهم ممن يتحدثون أمام الصغار عن الآخرين ومنازلهم وعائلاتهم». ويدعو الوالدين إلى الالتزام بعدم إفشاء أسرار الآخرين أمام أبنائهم؛ لأن الصغار قد يعمدون إلى ذلك من باب التقليد، ويشدد على تجنب الاعتماد على العنف في معالجة هذه المشكلة؛ لأنه يفاقمها، مع ضرورة وقف اللوم المستمر واتباع الحوار، وضرب الأمثلة كطريقة على الاحتجاج على مثل هذا التصرف:«القصة والمثل قد يكونان طريقا أمثل للأهل، والتطرق إلى حوادث وقصص مشابهة لغرس مفهوم الاحتفاظ بالأمور العائلية داخل نطاق الأسرة، وعدم الحديث مع الغرباء عن العائلة والبيت». ويوجه الخزاعي رسالة إلى الكثيرين ممن يحاولون الاطلاع على حياة الآخرين من خلال صغارهم: « هذا التصرف غير مقبول ويتنافى مع ما نحاول غرسه من قيم دينية وأخلاق حميدة في نفوس الصغار، ومن الضروري احترام براءة الطفولة وعدم إقحامها في حشرية البعض بالاطلاع على أسرار وحياة الآخرين».