تحوي الأربطة الخيرية في مكةالمكرمة بين جدرانها آلاما وآمالا لساكنيها من الأرامل والأيتام، الذين أرهقتهم الحياة فناءت بهم في هذه المواقع التي وضعت لمساعدتهم، لتفتتهم وتهزمهم الوحدة، فيصبح هاجس النزلاء من يمسح عنهم عناء رحلة الحياة المثقلة بالهموم ودموع الوحدة والألم. «أم عبدالله» تعي عمرها ال 70 عاما، تسكن الدار منذ أكثر من عشرة أعوام بعد وفاة زوجها وتركها وحيدة: «لا نقول إلا الحمد لله، نسكن هنا منذ أعوام طويلة، ولم يفكر أحد في السؤال عنا، فيما أهل الخير كثيرون ولله الحمد، لا يبخلون علينا بشيء، فأحيانا يقدمون لنا الطعام جاهزا، وأحيانا يمونونا باللوازم، ونتكفل نحن بالباقي رغم كبر سننا وعجز بعضنا، وأتيت إلى هذا الرباط لأني لم أجد من أقاربي من يرضى بسكني معه، لا نريد في هذه الدار إلا الستر والعافية من الله، وندعو الله ليل نهار أن يرحمنا ويغفر لنا بعد أن أذاقتنا الحياة المر والعلقم». «أم محمد» التي بلغ عمرها 73 عاما، مصابة بداء السكري، تقبع وراء جدران الرباط الخيري، بعدما نسيها الجميع: «حتى الأقارب انشغلوا عنا، ولم يلتفتوا لنا، عدا أهل الخير في بلادنا، يصلون إلينا، ويعطوننا الأرزاق والكسوة والخيرات التي تطفئ قليلا من الحزن المتوقد داخلنا، الأعوام التي قضيتها في الرباط كانت خالية من أي مشاعر إنسانية توقعتها من الآخرين، وخصوصا من الأقارب والأصدقاء، الذين نحرص دائما على زيارتهم، فيعدوننا برد الزيارة، لكنهم لا يوفون بالوعود، للتأكيد على أنهم لا يريدوننا، لذا أصبحنا لا نؤمل فيهم أي خير، بل أصبحنا نتكاتف في الرباط الخيري بعضنا مع بعض، ونشكل فيما بيننا روابط أشبه ما تكون بالأسرية، مع أنه لا صلة قرابة تجمعنا». ولا تشعر «أم صالح» التي بلغ عمرها 65 عاما، بطعم الأيام: «الوحدة طعمها مر وغريب، ولا يجبر خواطرنا في هذا الرباط إلا بعض أهل الخير الذين يأتون إلينا لتقديم بعض الأرزاق والمعونات المالية أو العينية، كما نعتمد في دخلنا على الضمان الاجتماعي، والأمر ليس بمستغرب، فنحن لم نر من الدنيا والناس والأقارب إلا كل جفاء». من جانب آخر، أكد مدير المكتب الاجتماعي لخدمات الأربطة والسكن الخيري بمكةالمكرمة حسن عاشور، أنه يوجد بمكةالمكرمة أكثر من 60 رباطا خيريا، حيث تنقسم هذه الأربطة إلى ثلاثة أقسام: الأول أربطة تحت إشراف إدارة الأوقاف، والثاني أربطة أهلية تخضع لإشراف النظار، والقسم الأخير السكن الخيري التابع للجمعيات الخيرية: «60 % من سكان الأربطة الخيرية من فئة الأرامل، و 40 % من الأسر الفقيرة وكبار السن، يتقاضى السعوديون القاطنون في هذه الأربطة الخيرية مكافأة شهرية تصل إلى 850 ريالا للفرد الواحد».