مازالت نظرة الكثير من المعلمين إلى التعليم الحكومي على أنه يشكل الأمان الوظيفي، والمستقبل الواعد لهم ولأسرهم، بما يحويه من راتب مقدر، إضافة إلى الاستمرارية في العمل، بعيدا عن حسابات المزاج والأهواء التي ربما تفجرها رغبات بعض المستثمرين أو أصحاب العمل في القطاع الخاص. إلا أن الراتب الذي كان يتميز به معلمو المدارس الحكومية، بات للأسف دون المستوى المطلوب، وتقلص عطفا على الرواتب التي يمنحها القطاع الأهلي، ومع ذلك لا يزال إقبال المعلمين للعمل في المدارس الأهلية نقطة في بحر، الأمر الذي ربما كان رئيسيا في ترك القطاع للمعلمين الوافدين، الذين يشكلون نسبة إلى تقل عن 95 % من مجمل العاملين في القطاع. من هنا يتبادر التساؤل هل التعليم الأهلي السبب في ترويج شبح عدم الأمان الوظيفي، ليستفيد من معلمين وافدين، ليس مضطرا للالتزام معهم بزيادات سنوية، ويهرب من الضمان الوظيفي للكوادر الوطنية، أم أن الشباب اعتاد الهروب من القطاع الخاص بما يحويه من جد واجتهاد لإثبات الوجود، وأصبح يفضل العمل السهل، الذي يراه حسب اعتقاده في العمل الحكومي، مما يفسر تركه العمل في القطاع الخاص فور العثور على الوظيفة الحكومية، أو ربما لجأ للعمل الخاص من باب انتظار الوظيفة الحكومية. ولكن إذا كان التعليم الأهلي يعد حاليا من أفضل مجالات القطاع الخاص التي تقدم رواتب مغرية لأصحاب المؤهلات والكوادر، رغبة في الاحتفاظ بهم، ولجلب المزيد من الطلاب اعتمادا على شهرتهم، مثل القطاع الصحي، فما الذي يمنع الكوادر الوطنية من الاقتراب من ذلك القطاع، أو الخروج من بوابته بعد فترة قصيرة من دخولها، وهل يعد عدم وضوح مناهج التدريس في التعليم الأهلي ثغرة يخشاها الشباب، عطفا على الخوف من باب الاجتهاد المشرع في هذا القطاع عكس التعليم الحكومي المقيد بضوابط ونظم. لا ضبابية بداية يرفض الروائي والكاتب محمد المزيني ما يطلق عليه عدم وضوح أو ضبابية في الرؤية، والنظرة للتعليم الأهلي: «ليس هناك تعليم لا يقوم على أسس، وإن اختلفت متانة هذه الأسس، لذلك أحيانا ما تأتي هذه الإطلاقات بما يشبه الادعاءات التي لا تساندها أدلة، والسؤال يأتي بطريقة أخرى تتمثل في قصور التعليم عن التعاطي مع المتغيرات الزمانية، وبطء عملية تحديث آلياته، ربما أيضا يعود السبب إلى حساسية المساس بمناهج التعليم على سبيل المثال، لأنه ليس حقل تجارب يتضرر من عدد قليل من الناس، بل إن أي تغيير غير مدروس أو مجرب قد يحط بالتعليم في مدارك سفلى، هذا متى أدركنا أن واضعي هذه الاستراتيجيات مرتبطون بملفات قديمة لا يتزحزحون عنها، وإن حاولوا فهم مقيدون أيضا بمعايير تملى عليهم إملاء، وإن صار بيدهم القرار التهمتهم مشاغل الحياة اليومية، لذلك تتمثل لهم الحكمة القديمة القائلة ما تعرفه خير لك مما تجهله، والمعنى أن الفضاء المجهول في حقل التعليم فضاء معتم يجب الحذر منه وعدم مقاربته، وهذه الحجة سهلة ومريحة وتخرجنا من مأزق البحث والتجريب ومصارعة الرافضين لأي تبديل أو تغيير أو حتى تطوير بحجة التحريف المهلك، لذلك نكرر أنفسنا ونستنسخ عقولنا بشكل يضعف قدراتنا على التلقي والتحصيل». عدم الوضوح ويشير المزيني إلى أنه لو أقررنا بعدم وضوح في التعليم الأهلي فحتما سيؤدي ذلك إلى تخبط يحصد تبعاته الطالب، ولربما يمتد هذا التخبط إلى جيل كامل لا يحمل هوية تعليمية واضحة، وبالتالي يدفع به إلى التعاطي مع بدائل تعليمية محفوفة بالمخاطر بحثا عما يشبع نهمه العلمي ولربما أيضا يقضي على طموحات كثير من المتعلمين فيتحولون إلى بدائل مضادة تماما للتعليم، ومن أخطر الأمور العبث بالمفاهيم التي تقوم على أساسها الرؤى والتصورات، فتأتي الأحكام على الأشياء غير حميدة ومنها يتخذ السلوك الممنهج وفق تصورات لا تمت للعقل بأي صلة، ونحن لا نزال نتحدث عن العلوم الغربية بلغة تشوبها نبرة الاتهام وتلفها المخاوف، مع أننا نبتعث شبابنا إلى الخارج لتلقي هذه العلوم، ثم يأتي بعض هؤلاء يسوقون بين أيديهم حفنة من التصورات عن العالم الغربي المنحل الذي يجب تحييده عند وضع مناهج للتعليم تحت مظلة أرى أنها واهية جدا، وتتنافى مع قيم التعليم مفادها القيم الإسلامية وأخلاقها السامية، هذا التناقض الغريب بين مفهومي التعليم والقيم يجعلنا مترددين للأخذ بأسباب التقدم والخروج من مأزق الأنا والخصوصية التي تكاد تجعلنا في أسفل قائمة الشعوب المتعلمة». 137 مليارا سنويا ويرى معلم الثانوية عبدالعزيز الغامدي، أن التدريس في التعليم العام مكلف جدا من حيث تأليف المناهج وطباعتها وتوزيعها: «هكذا رواتب المعلمين والمعلمات بالتعليم العام أعلى بكثير من التعليم الخاص، حتى تكلفة تجهيز المباني المدرسية وتأهيل المعلمين وتدريبهم، أما في التعليم الخاص فالتكلفة أقل بسبب عدم تحمله تكاليف المناهج من تأليف وطباعة وتوزيع، وكذلك رواتب المعلمين والمعلمات لا تكاد تذكر مقارنة بنظيرتها في التعليم العام، لكن بالنسبة إلى متوسط الرواتب في التعليم الحكومي والتكاليف يصعب تحديد المبلغ، ولكن عموما نستطيع قراءته من خلال موازنة التعليم السنوية في المملكة والمقدرة بأكثر من 137 مليار ريال سنوي». بلا بدلات ويحدد معلم الأهلية مشعل الرحيمي، معدل انخفاض رواتب معلمي الخاص عن الحكومي بنحو 65 % بالنسبة إلى المعلمين، 80 % بالنسبة إلى المعلمات: «أصحاب المهن التعليمية الخاصة لا يتمتعون بأي حوافز إضافية تميزهم عن غيرهم من موظفي الدولة حاليا فهم بلا تأمين صحي أو بدل سكن». مزايا متعددة ويشير عضو في مجلس منطقة مكةالمكرمة ومالك عدة مدارس أهلية بالمنطقة الغربية الدكتور زهير حسين، إلى معدلات رواتب المعلمين: «السعودي يتقاضى ما بين 1800 و3500 ريال، ويتحكم في ذلك فئة المدرسة، أما الأجنبي فيتقاضى 2500 ريال كحد متوسط، وهذه الرواتب شاملة للبدلات ويضاف إليها التأمين الطبي، وهناك بعض المدارس تعطي راتبا إضافيا للمعلم في إجازة نهاية العام، وأيضا هناك حافلة خاصة بالمعلمين لنقلهم من وإلى المدرسة». حد أدنى للأجور ويقر المشرف العام على مدارس الرواد والنخبة الأهلية عثمان بن طارق القصبي، بتباين الرواتب تبعا لجنسيات المعلمين: «رواتب المعلمين عموما تتراوح من 2000 ريال حتى 5000 ريال، ونعتبرها متدنية، ولا يختلف اثنان على أهمية دور المعلم في المجتمع، وأن راتبه في القطاع الحكومي لا يتناسب مع دوره، وأهميته في المجتمع، ومن باب أولى أن يتفق الجميع على تدني أجور المعلمين في المدارس الأهلية، وتدني أجور المعلمين عموما، دليل عدم الاهتمام بهذا المجال، مما أثر سلبا في قيمة المعلم الذي يعد في مجتمعنا مع الأسف في ذيل قائمة الوظائف المهنية، وهذا ناتج عن عدم التقدير المادي والمعنوي له، لذا أقترح إقرار حد أدنى لأجور المعلمين، بما يحفظ لهم كرامتهم وقيمتهم في المجتمع، ويجعلهم قادرين على الاعتزاز بمهنتهم، وتحمل أعبائها كاملة». خيارات للزيادة ويشير إلى أنه إذا كان لزاما رفع رواتب معلمي المدارس الأهلية، فمن الأولى أن نحدد من سيدفع هذا الفرق ويتحمل التكلفة: «هناك أربعة خيارات منطقية هي أن يدفع الفرق ولي الأمر وهو المستفيد من هذه الخدمة، أو أن يقوم مالك المدرسة الأهلية بدفع الفرق، وبالتالي سيضطر لرفع الرسوم على ولي الأمر في النهاية لأنه ليس جهة خيرية، أو أن يخسر لأن رواتب المعلمين تقارب 75 % من مصاريف المدرسة، وإذا قمنا بزيادة راتب المعلم السعودي في المدارس الأهلية ليصبح مثل راتب المعلم في الوظيفة الحكومية فهذا يعني مضاعفة راتبه على أقل تقدير، وبالتالي زيادة مصاريف المدرسة 75 %، والخيار الأخير أن تبادر الدولة بدفع فارق الراتب بالتعاون مع الخدمة المدنية، من خلال صندوق تنمية الموارد البشرية، ليصبح وضعهم مثل وضع معلمي المدارس الحكومية تماما، على أن يكون الدعم مباشرا واستثنائيا لا يخضع للأنظمة الحالية، من اشتراط أن يكون الدعم 50 % فقط، أو لمدة سنتين، أو أن يكون المعلم لم يعمل لدى جهة أخرى، بحيث تدفع المدرسة الأهلية ما يقارب راتب المعلم غير السعودي ويتحمل الصندوق المبلغ الإضافي». واعتبر المعلم بمدارس الصديق الأهلية سلطان السهيمي أن رواتب المعلمين في المدارس الخاصة متدنية جدا لا تفي بالغرض المطلوب ولا تفي بمصاريفه المعيشية في الوقت الراهن: «بعض المعلمين الذين يتوجهون للمدارس الخاصة سبق أن تقدموا لوزارة الخدمة المدنية، وعملهم هنا يكون من باب التجربة، ولكن عندما يحصل المعلم على فرصة التعيين في المدارس الحكومية لا يتردد ويتوجه فورا لكي يضمن زيادة الراتب السنوية وبعض الميزات الأخرى». ويحدد مالك مدارس المرجان الدولية الدكتور عبدالله صادق دحلان أهمية وضع سقف لرواتب أعضاء هيئة التدريس في القطاع الخاص: «راتب المعلم في المدارس الدولية يتراوح من أربعة آلاف إلى ثمانية آلاف ريال، ويقل في المدارس السعودية ليتراوح ما بين 1500 وثلاثة آلاف ريال، وينبغي وضع حد أدنى لرواتب أعضاء هيئة التدريس في المدارس الخاصة بمقدار ثلاثة آلاف ريال، ومدارسنا على سبيل المثال تبلغ فيها نسبة السعودة 40 %». مزايا أهلية وتوضح مديرة العلاقات الاجتماعية والإعلامية بجامعة عفت بجدة أمل الرفاعي، أن هيئة التدريس في التعليم الأهلي يتقاضون العديد من المزايا، فهناك البدلات والحوافز الإضافية التي يتم صرفها: «هناك بدل السكن وبدل المواصلات، والتأمين الصحي، وتذاكر السفر السنوية، والتأمينات الاجتماعية الخاصة بالموظفين السعوديين، إضافة إلى مكافأة نهاية الخدمة لجميع الموظفين، وعقد التوظيف على سنتين متتاليتين، وهذا يخلق لدى الموظفين شيئا من الاطمئنان، وهناك مجالات لتطوير الموظف بتوفير دورات تدريبية وبعثات خارجية وحضور مؤتمرات ومعارض على حساب الجامعة» .