استباحت المجالس النسائية فكرة التجسس على الرجال، في خطوة تعد غريبة عن الواقع الذي تعيشه مجتمعاتنا. وإن بدت الفكرة في بداياتها عبر نوعيات بعينها، وشخصيات معينة، ونهج معين، إلا أن التجاهل في هذا الأمر ينبئ بكارثة اجتماعية على الصعيد الأسري. فهم الزوجات المشترك والرابط الذي يربطهن يتمثل في التخلص من مكر الأزواج، بينما السلاح المستخدم لا يعترف بالقوالب الاجتماعية، ولا الأخلاقيات الإنسانية، ولا حتى الأبجديات الدينية. لا رد على مكر الأزواج الراغبين في الاقتران بالزوجة الثانية إلا بمكر مضاد في الاتجاه ومماثل في المقدار، بينما الوسيلة التي يلجأن لها تبرهن قدرتهن على استعراض عضلاتهن، ومعرفة كافة أنواع الدهاء، بل أحيانا التباري في وضع الزوج تحت مجهر المراقبة الدائمة، بينما النجاحات تتحول لانتصارات يجب اقتفاء أثرها، وتكرارها كنماذج معتمدة يمكنها أن توفر طوق النجاة للمبتدئات. وسرعان ما تنتقل عدوى التجسس إلى الكثير من السيدات، خاصة في ظل توسع الاعتماد على الإنترنت في البحث عن الحلول للمشكلات الزوجية، أو تدهور العلاقات بين الأزواج، أو التخلص من فكرة الزوجة الثانية، فتكون المنتديات واحة لنقل التجارب على سوئها، ودون تقدير لعواقبها. حولت العديد من السيدات حياة أزواجهن إلى أشبه بالاستخبارات العسكرية، الأمر الذي عزز معه روح التجسس، وصولا إلى نهاية أو لعلها بداية لمواجع أسرية وتأزم علاقات لا علاج منها. وبدلا من معالجة الكثير من الأمور بروح العقلانية، بعيدا عن تصرفات الأفعال وردة الأفعال، وضعت السيدات مصيرهن ومصير أبنائهن في أيادي سائقين، وصفهم خبراء بالمرتزقة، الذين يقتاتون على هدم المنازل الأسرية، بنقل خطوات الرجال أولا بأول. وعبر صحف الدعاية والإعلانات تنتشر آلاف الطلبات للاستعانة بسائقين، بينما يميل السائقون أنفسهم للدعاية بقدرتهم على التجوال في المدينة المعنية بسهولة، مبرزين مهاراتهم في معرفة جميع الشوارع، ورغبتهم في العمل وفق التوصيلات بعيدا عن مفهوم الاحتكار. ولا يعرف الكثيرون أن بعض السائقين ممن يعلنون رغبتهم في التوصيل المدرسي، يتم الاستعانة بهم في خدمات المراقبة، بل يتعدى الأمر، أحيانا في إنجاز المهام المنزلية في جلب المواد الغذائية وغيرها مقابل مبلغ من المال، لكن المهمة البارزة تتركز في مراقبة الأزواج الفارين بالساعات، والمهمة تتلخص في منح السائق رقم لوحة السيارة ونوعها، ومشاهدته الزوج لمرة واحدة ثم تبدأ المهمة. ينطلق الزوج بسيارته، وهو لا يعرف أن خلفه من يراقبه، يصور تحركاته أولا بأول، وبالطبع هناك المقابل المادي: «الأجرة بالساعة، وبالمشوار، المهم الاتفاق، والسعر الذي جربته 100 ريال للمشوار الواحد، والأرخص بالأسبوع الذي يكلف 500 ريال، بينما الأزواج الأذكياء يجبرون الزوجات على المراقبة لشهر كامل، بسعر يتراوح بين 2000 2500 ريال». ومع نجاح السائق في مهمته اللصوصية، تبدأ شهرته في الذيوع عبر الصديقات: «أعرف سائقا يقدر يجيب لك كل أخباره وتحركاته، صحيح إن سعره مرتفع شوية، لكن المهم تخلصك من الشكوك التي تملأ رأسك». وبالطبع يعطي السائق التفاصيل للزوجة التي تخشى من مراقبة زوجها بواسطة أحد من أهلها ليفتضح أمرها قبل كشف سره، وتكون هي المخطئة: «لا نميل للعب بالنيران، نحاول الابتعاد قدر الإمكان عن الفضيحة المبكرة، دون أن يشعر بنا الزوج، لنتأكد من الوساوس التي تملأ عقولنا، فإن صدقت فضحناه، وإن كذبت أمنا على أنفسنا من بطشه، والسائق الأجنبي ميزته أنه يكتم السر، لأن ما يهمه المال فقط، ونحبذ سائقي الليموزين، لكي لا يتمكن الزوج من التعرف عليهم لأنهم من المفترض تواجدهم في أي موقع، وتتشابه السيارات، عكس الخصوصي، الذي من السهل كشفه خاصة من الزوج المحنك في اللف والدوران». بداية الأزمة سارة الغفيلي 26 عاما متزوجة منذ عدة أعوام، ملأت الشكوك رأسها حول وجود علاقة بين زوجها وفتيات عبر الإنترنت: «استطعت اكتشاف العلاقة منذ اليوم الأول، بطريقتي الخاصة، لكنني لم أملك الدليل الكافي لإدانته كما يقولون، فلم تكن بحوزتي سوى بعض التنصتات من حين لآخر، لذا آثرت معرفة ما يدور في خارج الكواليس، خاصة أن زوجي محترف في العلاقات الثنائية، وخشيت أن يأتي اليوم الذي يحضر فيه زوجي ويخبرني بارتباطه بزوجة أخرى، ويهددني إما بالخضوع للأمر الواقع، أو الذهاب لبيت أهلي». صاده المخبر وتعترف بأن صديقاتها دلوها على المخبر السري: «سمعت آراء زميلاتي بتوفير مخبر يقتفي أثره أينما ذهب، ويكون على اتصال دائم بي ويخبرني بأماكنه، وعندها أتصل عليه للتأكد من مصداقيته في مشاويره الخاصة، في حين أن المخبر السري يتواصل معي عبر الرسائل النصية التي ألغيها فور قراءتها، حتى جاءت اللحظة التي عرفت أنه نزل إلى منزل، فبادرت بالاتصال عليه مرارا، لكنه لم يرد، وبعد عودته برر ذلك بأنه كان مشغولا مع صديق التقاه بالصدفة في الشارع، عندها نبهت المخبر بمتابعة خطواته، خاصة إذا ذهب لهذا المنزل، وعندما وصلتني الرسالة المشؤومة، أخبرت أخي، وذهبنا للمنزل، واكتشفت أن زوجي يعيش في عش الزوجية، فطلبت الانفصال». ثقة في النفس لكن سعاد الحمد 27 عاما ترفض مبدأ اللصوصية الذي تتبعه بعض السيدات، والذي يأتي بسبب الشكوك التي تملأ عقلياتهن. وتعترف بأن الكثير من الصديقات بدأن البحث عن المخبرين السريين، وكأن القضية جنائية، بينما المؤسف استخدامهن للسائقين في هذه الأغراض مما يشوه سمعة أزواجهن من ناحية وسمعتهن من ناحية أخرى: «حاولت إقناع الكثيرات بأن طريقتهن في معالجة انحراف بعض الأزواج خطأ، لكنهن للأسف يخربن بيوتهن بأيديهن، وبلصوصية هؤلاء السائقين الذين لا هم لهم سوى المقابل المادي، وأعتقد أن هذا الأمر يعد من الفتنة التي نهى عنها ديننا الحنيف، خاصة أن الشرع حلل للرجل الزواج من أربع، فلماذا تضطر الزوجات للجوء لهذه الطرق المخالفة للأخلاقيات والشرع؟». علاقة احترام وتصف علاقتها بزوجها بأنها فوق الممتازة: «زوجي مستقيم ولله الحمد، ويحترم الحياة الزوجية، ويكرس طاقته لعمله ولمنزله، ولم أره يوما انشغل عني، وحينما يدخل المنزل يقول جاء الآن نصيب المنزل فيجلس معي وأطفاله ويسرد علينا ما حصل معه من مواقف، ويعلم أطفاله، وها نحن نعيش حياة سوية بعيدة عن المشكلات، لكنني حتى لو لاحظت منه ما يدفع للشكوك فلن أجند المخبر السري لاقتفاء أثره، فهو حر في تصرفاته، والزوجة تستطيع امتلاك زوجها بأخلاقياتها وليس باللصوصية والتجسس». ضياع الأسر اعتبرت الاختصاصية الاجتماعية نجلاء المسلم أن تصرف المرأة في التجسس على الزوج، واستخدام السائق المستأجر يعد من قلة العقل: «الزوجة بذلك تتسبب في ضياع الأسرة، والإسلام قد نهى عن التجسس للأضرار التي تترتب عليه، وعلى الزوجة أن تعطي الثقة لزوجها وتقف معه وتستر عيبه، وجرت العادة على أن الإنسان عرضة للخطأ، فقد يبصر الرجل ويعود إلى الله ويكون أفضل من السابق دون أن تعلم المرأة ما حدث وتبقى الحياة الزوجية تسير بشكل مطمئن». وكشفت أن أغلب حالات الطلاق جاءت شرارتها الأولى من التجسس: «الأمر يستوجب على النساء التصرف بحكمة وبعد نظر، ولا تلتفت لوساوس الشيطان، وعليها بناء حياتها مع زوجها على الثقة المتبادلة بين الزوجين». الحاسة السادسة ولا يقلل المختص في الجريمة وأستاذ علم النفس المشارك في جامعة الملك سعود الدكتور تركي العطيان، من الحاسة التي تمتلكها الزوجة، والتي وصفها بالحاسة السادسة، محذرا الأزواج من تجاهل هذا الأمر: «الأزواج الذين يعملون في الخفاء ويخونون زوجاتهم عليهم مراعاة هذه الحاسة، لأن الزوجة إذا أرادت أن تكشف الزوج فهي قادرة على ذلك». ووصف لجوء بعض السيدات لمراقبة أزواجهن، وملاحقتهم، لاعتقادهن بأن هذه الطريقة هي السبيل الوحيد للمحافظة على الحياة الزوجية: «بعضهن يتوهم إمكانية اللحاق بالأزواج قبل فوات الأوان، والأخريات يلجأن لهذه الحيلة إذا واجهن الزوج وأنكر، ويبحثن عن الدليل الذي يستخدمنه لتعديل سلوك الزوج» .