كنت طالبا في كلية المعلمين بجدة لثلاثة أشهر، ولو أكملت دراستي في الكلية لأصبحت مشروع خريج دفعة عام 1427ه - 2007, وحكاية خريج هذه الكليات «18 كلية» منذ تلك الدفعة وما يليها حتى اليوم، تبدأ في اسمها المتخصص بتخريج كوادر لوزارة التربية والتعليم كمعلمين ولا شيء آخر، وتنتهي برميهم نحو الشارع، هكذا بكل بساطة. نشر طوال الأعوام الخمسة الماضية ما أعده تراثا ضخما من الأخبار والتصريحات والإشاعات والخطابات والحكايات والآهات والمقالات والنكت والمصطلحات, ولكنهم يتجاهلون تماما المعلم الإنسان. نتخيل أن أبا في مدينة ما بعث ابنه إلى مدرسة يعلم فيها معلم من الدفعة أعلاه بعد سنوات من البطالة, ما هو تصور القيم داخل هذا المعلم؟ ما هو مفهوم الصدق والأمل والطموح والمستقبل والعلم والاجتهاد والصبر وحتى الخير والشر؟ كيف يرى المعلم نفسه؟ هل يجد أنه يمارس مهنة تحظى بالتقدير والاحترام؟ كيف يرى المؤسسة التعليمية التي تعلم بها وتخرج منها؟ ماذا يُنتظر من معلم يكتب في خطاب ما: «نحن خريجون مضت فترة دراستنا في جد وكفاح من أجل التخرج لنجد أنفسنا بعدها عاطلين في الطرقات العامة أو المقاهي بانتظار فرص العمل التي قد لا تأتي بعد أعوام نهيم خلالها على وجوهنا ونعيش حالات فراغ قد تؤدي بنا إلى انحرافات عدة يحاسبنا عليها القانون ومن ثم المجتمع؟» أعلم جيدا أن حياة الفقر والفراغ واليأس والنقمة والجوع تزرع أفكارها التي لا تزول ندبات داخل النفس لتنتقل من جيل إلى آخر. أين المشكلة؟ الواقع أن المسؤولين في الوزارات الثلاث «التربية والتعليم – الخدمة المدنية – المالية» يتمسكون بشكل مخيف باللوائح والأنظمة والميزانية وبقية الأعذار البيروقراطية، وفي الوقت نفسه تغيب الرؤية بركيزة التعليم كقيمة معنوية في التنمية, بمعنى آخر اعتبار معايير الوزارة الخدمية هي نفسها معايير وزارة التربية والتعليم، وبالتالي تصنيف الموظف الحكومي كالمعلم وربما أقل، فيكون الطلاب هم الضحية.