يتساهل كثيرون في نقل الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية المحرفة، أو ينقلونها بشكل خاطئ بحيث يساء فهمها، ويعملون بذلك من دون إدراك لخطورة ما يقومون به وأبعاده، فربما وصل إلى جاهل فعمل بهذا الحديث الباطل، أو المنقول بشكل خاطئ، فيضيع أجورا كثيرة عليه، أو ينتشر بين العامة، ثم يصبح هذا الحديث الموضوع مدارا للتنقص من الدين وأهله، وكثيرا ما وقعت مثل هذه الأحداث، ناهيك عن القصص والأساطير المبالغ فيها التي تحكي قصة لرجل مع أحد الصالحين، أو مع النبي «صلى الله عليه وسلم» كما في القصة المشهورة التي وزعت في أوراق «أحمد حامل مفاتيح الكعبة» الذي رأى النبي «صلى الله عليه وسلم» في المنام، ثم يقدم له عددا من النصائح، ويأمره بتبليغ الناس بعضا من الوصايا. والغريب أن هذه القصة كانت تتداول ورقيا، لكن مع ظهور التقنية، أصبحت تداولها إلكترونيا، وهذا من تطور البدعة وشيوعها، وبدلا من تصوير عدد من الأوراق، أصبح القارئ لرسالة الشيخ أحمد، مطالبا بإرسالها لعدد كبير من المستقبلين، حتى تعم البركة، وينتشر الخير كما في الرسالة، ولم يفكر من ينشر مثل هذه الرسائل أو حتى الأحاديث النبوية، في صحة الكلام المكتوب، خاصة أن الإنترنت مليء بالغث والسمين، فكان الأولى أن يتثبت الناقل من المنقول، حتى يحصل له ما أراد. خطورة كبيرة حذر القاضي بالمحكمة الكبرى بالرياض الشيخ سليمان بن عبدالله الماجد، من مغبة التساهل في نشر الآيات القرآنية والأحاديث النبوية بشكل محرف، وذلك بجعل المنتديات ومواقع الإنترنت غير الموثقة بمثابة مرجع فقهي: «من الواجب على المسلم أن يتعلم العلم وأن يسأل أهل العلم قبل الشروع في نشر شيء من الآيات والأحاديث التي تكون ربما ضعيفة أو لا تصح عن النبي «صلى الله عليه وسلم»، مستثنيا المواقع التي يشرف عليها العلماء وأهل التخصص كالمواقع التي تعنى بالتفسير المتخصص وخدمة السنة وعلومها ويعرف المشرفون عليها بصحة المنهج والعقيدة. ونبه فضيلته إلى خطر الكذب على النبي «صلى الله عليه وسلم» من خلال الأحاديث الموضوعة التي قد يتناقلها العامة، فالنبي «صلى الله عليه وسلم» حذر من الكذب عليه وتوعد صاحبه بالوعيد الشديد لأنه يزيد في الدين أو ينقص، وحثّ على التمسك بالكتاب والسنة وحفظ القرآن الكريم أو حفظ قدر منه بحسب استطاعة الإنسان، وأن يحاول ضبطه لئلا يقع في خطأ قد يغير رسما أو معنى، داعيا إلى تكثيف الجهود من قبل الدعاة والعلماء والخطباء إلى تنبيه العامة حول هذا الأمر الخطير لأنه عند التساهل فيه قد يصل الأمر إلى نشر هذه الآيات المحرفة أو الأحاديث الضعيفة بينهم. ضرورة التثبت وعن ضرورة التثبت قبل النقل أوضح: «لا يجوز نقل أي من الآيات أو الأحاديث التي قد تنشر في الصحف والمجلات ومواقع الإنترنت قبل التثبت وسؤال العلماء والمشايخ عنها من خلال وسائل الاتصال المتيسرة ولله الحمد، وعلى الجميع أن يتق الله عز وجل، وقد وجدت وللأسف بصفة شخصية في العديد من مواقع الإنترنت آيات قرآنية محرفة وأحاديث نبوية ضعيفة أو موضوعة». وأشار إلى أن أهمية هذا الأمر تكمن في أن القائل هو الله عز وجل ورسوله «صلى الله عليه وسلم»، فينبغي أن يجتهد الإنسان في تحقق صحة ما ينقله لأنه إخبار عن الله عز وجل ورسوله «صلى الله عليه وسلم» فلو كان كلاما لمسؤول أو سلطان لربما اجتهد في تحقيق القول ومحاولة التثبت منه رغبة في ألا يلحقه شيء من المساءلة أو غيرها فما بالك بكلام الله ورسوله «عليه الصلاة والسلام» فالمسؤولية عظيمة ويجب التنبه لها والتنبيه عليها. المرسل آثم من جهة أخرى، أكد عضو الدعوة والإرشاد سابقا الشيخ محمد السلطان، أن انتشار الرسائل الإلكترونية التي تدعو إلى فعل بعض الطاعات، ولا يوجد دليل صحيح يدل على مشروعية هذه العبادة، فإن مرسل هذه الرسالة يأثم لأنه نقل علما وهو لم يتثبت، فيجب عليه أن يتثبت أولا قبل أن يرسل مثل هذه الرسائل. وأوضح السلطان أن هناك عددا كبيرا من الرسائل التي كانت تتداول في السابق عن طريق تصوير الأوراق، ويتم توزيعها في المساجد، كرسالة الشيخ أحمد حامل مفاتيح الكعبة، وهي قصة مكذوبة، ولكن الغريب هو تحولها من التقليدية إلى الإلكترونية، حيث تبرع أحدهم وكتبها وأصبحت تتداول بشكل أكبر، ولو أنه كتب حديثا صحيحا عن النبي «صلى الله عليه وسلم» ثم نشره لكان خيرا له وأبقى. وتساءل السلطان عن الهدف الحقيقي وراء نشر مثل هذه الأكاذيب، معتبرا أن في الإسلام وشرائعه، ما يكفي ويسد عن مثل هذه الأكاذيب، وبدلا من ذلك على أهل العلم وطلابه أن يجتهدوا في تبيان الحق، ونشره بين الناس، وغزو الإنترنت بمواقع مفيدة وذات ثقل شرعي رصين: «أرجو أن يحذو طلاب العلم حذو الشيخ محمد صالح المنجد، الذي أنشأ مجموعة مواقع الإسلام، وهي تؤدي دورا كبيرا في نشر حقيقة الإسلام دون رتوش». حسن النية لا يكفي وحول الواجب على العامة ومن يرغب في نشر الخير للآخرين أكد السلطان: «حسن النية لا يكفي من أجل إيصال الخير، فكثير من أهل البدع أرادوا ببدعهم أن يزيدوا في الخير، فأحدثوا في الدين ما لم يأذن به الله، لذلك على من أراد أن ينشر الخير أن يكون مدركا وواعيا لما سينقله، ومتأكدا من صحته، ولو شك في نسبة ضئيلة فالأولى ألا ينقله، ثم لو أراد فعليه أن يسأل الدعاة وطلبة العلم عن صحة هذه القصة مثلا، وهل ينبغي نشرها أو لا، عندها يمكن أن يتحقق الهدف الذي من أجله يتم النشر، وعلى الشاب الذي يرغب في نشر العلم أن يبحث عن العلم الموثوق، المنقول عن الأشخاص العدول، دون أن ينقل عن الجهلاء، كما في قصة الشيخ أحمد حامل مفاتيح الكعبة، التي تم تداولها حتى ملّ الناس منها، وفيها ما لا يصدقه عقل، ومع ذلك هناك من يؤمن بمثل هذه الخزعبلات ويروج لها». وبالنسبة إلى الأساليب الملتفة التي يعمد إليها من يبث مثل هذه الأكاذيب: «بعض هؤلاء يخوف العامة بالمصائب، فيقول له مثلا، إن لم تنشر هذه الرسالة فسيموت لك ولد، أو تحصل لك مصيبة، أو يقطع عنك الرزق، فيظن المسكين أن ما قاله كاتب الرسالة صحيح، وهذا نوع من الترهيب، ثم يأتي بسياق آخر، ليقول له وإن نشرتها فستكسب مبلغا كبيرا من المال، وتغفر لك ذنوبك، أو تحصل على عدد كذا من الحسنات، وذلك من الترويج المحرم، وكان من الأولى على الناس ألا يلتفتوا إلى مثل هذه الأمور، بل يبحثوا عن الحق، ويسألوا عن العلم، والله عز وجل يقول: «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون»، وقبل أن تطلق هذه القصة يجب عليك أن تتثبت من صحتها، حتى لا تبوء بإثمها .