تعرضت سويسرا إلى رد فعل دولي عنيف أمس، عقب النتيجة الصاعقة للاستفتاء بحظر المآذن الجديدة، في حين أن الحكومة السويسرية بذلت قصارى جهدها لطمأنة المسلمين، الذين شعروا بالصدمة الشديدة من القرار، بأنه لا يُنظَر إليهم على أنهم ينتمون إلى المجتمع. وأعرب زعماء المسلمين عن انزعاجهم الشديد من نتيجة الاستفتاء الذي نظم أمس الأول، حول فرض حظر دستوري على إنشاء المآذن على المساجد. نحو 57.5 في المائة من الناخبين أيدوا إجراء الحظر، وكانت نسبة المشاركة الانتخابية 53 في المائة، وهي نسبة تعتبر عالية حتى بالمقاييس السويسرية. جاءت هذه النتيجة مخالفة تماماً لاستطلاعات الرأي العام، التي توقعت أن تكون نتيجة الاستفتاء عدم الموافقة على الحظر، وفاجأت الوزراء الذين عارضوا فكرة الحظر إلى جانب المؤسسة السياسية والدينية في سويسرا. وسارعت الحكومة إلى طمأنة المسلمين السويسريين، البالغ عددهم 400 ألف مسلم، ومعظمهم من دول البلقان وتركيا، بأن نتيجة الاستفتاء لا تعتبر رفضاً للدين الإسلامي أو الثقافة الإسلامية. لكن معظم البلدان الإسلامية والقيادات الإسلامية في أوروبا دانت نتيجة الاستفتاء ووصفتها بأنها عرض واضح للتحامل وعدم التسامح. وكذلك الصحف السويسرية قد أبانت أن الاستفتاء تسبب في «ضرر هائل» للمكانة الدولية لسويسرا، ويمكن أن تصبح هدفاً لقرارات المقاطعة والأشكال الأخرى من الردود الانتقامية. وقالت صحيفة لو تام Le Temps اليومية: «بعض الناس، الذين شعروا بالصدمة بفعل الأزمة، كان تصويتهم علامة على الاحتجاج والارتياب، وليس على الكراهية وانعدام الثقة». يذكر أن أعضاء من الحزب اليميني المتطرف «حزب الشعب السويسري»، وهو أكبر أحزاب سويسرا، وجماعات أخرى يمينية، تقدموا بما يسمى الاستفتاء على «المبادرة الشعبية»، من خلال جمع 100 ألف توقيع على عريضة تطالب الحكومة بإجراء الاستفتاء. من جانب آخر فإن التعديل الدستوري يفرض الحظر فقط على إنشاء المآذن، ولا يؤثر في إنشاء المساجد، أو في حرية العبادة، التي هي من أركان الدستور السويسري. ويوجد في سويسرا فقط أربع مآذن، ولا يسمح بإطلاق صوت الأذان، كما يوجد نحو 200 مسجد، وفقاً للمصادر الرسمية. وقالت الحكومة إنها تحترم القرار. وأقرت وزيرة العدل السويسرية بأن النتيجة «تعكس المخاوف بين الناس من الاتجاهات التي تتسم بها الأفكار الإسلامية الأصولية». وأكدت الوزيرة أن «هذه المخاوف يجب أن تُحمَل على محمل الجد. . . لكن المجلس الفيدرالي (أي الحكومة السويسرية) من رأيه أن الحظر على إنشاء المآذن الجديدة ليس سبيلاً معقولا للتصدي للاتجاهات المتطرفة». وأضافت: «القرار ليس رفضاً للجماعة المسلمة في سويسرا أو لديانتها وثقافتها. الحكومة السويسرية تعطي ضمانتها بذلك». لكن الزعماء المسلمين المحليين أعربوا عن الاستياء الشديد من القرار. وقال فرهاد أفشار، رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في سويسرا: «أكثر ما يؤلم في هذا القرار ليس الحظر على المآذن، ولكن الفكرة الرمزية التي يحملها هذا التصويت أن المسلمين لا يشعرون بأنهم مقبولون كجماعة دينية». وكذلك كانت ردود الفعل الدولية منتقدة للقرار. وقال كارل بيلدت، وزير الخارجية السويسري، الذي تتولى حكومته رئاسة الاتحاد الأوروبي في الفترة الحالية: «القرار تعبير عن قدر لا يستهان به من التحيز، وربما حتى الخوف، لكن من الواضح أنه إشارة سلبية كيفما نظرت إليه، ولا شك في ذلك. برنارد كوتشنير وزير الخارجية الفرنسي، وصف التصويت بأنه «تعبير عن عدم التسامح، وأنا أمقت ذلك». من جانبه دان علي جمعة مفتي الديار المصرية القرار واعتبره «إهانة» للمسلمين في جميع بقاع الأرض و«علامة على الهجوم على حرية المعتقدات».