شبرقة - نهى مطر : قدم الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -تغمده الله بواسع رحمته - في حياته أروع الأمثلة في البر بالوالدين وصلة الرحم، حيث استقى هذه القيم الإسلامية النبيلة من والده الإمام عبدالرحمن الفيصل، ووالدته ساره بنت أحمد السديري - رحمهما الله - اللذين عاش في كنفهما، وغرسا فيه التنشئة الدينية السوية، والشيم، والقيم، والمكارم الحميدة، لتبقى سيرة الملك عبدالعزيز نبراساً يقتدي بها الأجيال الحاضرة والقادمة. نقلا لما اوردتة وكالة (واس) , فقد روى نائب خادم الحرمين الشريفين صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله- مقتطفات من هذه السيرة العطرة، في محاضرة ألقاها بجامعة أم القرى عام 1429ه - عندما كان أميراً لمنطقة الرياض - معتمداً سموه على ماوعاه وسمعه وقرأه عن والده، علاوة على روايات الثقات من كبار أسرة آل سعود، ورجال الملك عبدالعزيز، في حين وثقت دارة الملك عبدالعزيز هذه المحاضرة في كتاب تحت عنوان (ملامح إنسانية من سيرة الملك عبدالعزيز) . وقال سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز، إن الملك عبدالعزيز عُرف عنه تأدبه مع والده، وتقديره له، مبيناً أنه عندما تمكن من دخول الرياض استقبل والده قادما من الكويت، وأعلن بكل أدب البيعة له في المسجد الجامع الكبير في الرياض حاكمًا على البلاد، إلا أن والده نهض معلنا البيعة لإبنه لثقته به، فقَبل الملك عبدالعزيز ذلك، مشترطاً جعل حق الرأي الأول في معالي الأمور المهمة لوالده الإمام عبدالرحمن. وأوضح سموه أن الملك عبدالعزيز من شدة احترامه لوالده لم يكن يمشي في غرفة علوية بينما والده في الغرفة التي أسفل منه، وذلك حسبما ذكر محمد أسد - رحمه الله - في كتابه الطريق إلى مكة، إذ قال : إن الملك عبدالعزيز لم يكن يسمح لنفسه أو لغيره قط أن يضع قدمه في غرفة القصر إذا كان والده في غرفة تحتها، ونقل أسد عن الملك عبدالعزيز القول: كيف أسمح لنفسي أو لغيري أن يسير فوق رأس أبي. ولفت سموه إلى أن عبدالله فيلبي - رحمه الله - أشار في كتابه ( قلب الجزيرة العربية) إلى أنه عند زيارته للرياض سنة 1336ه، لاحظ كيف كان الملك عبدالعزيز - رحمه الله - يجلس بحضرة والده قائلاً: في الحياة العامة عند مقابلة المواطنين كان الإبن " أي الملك عبدالعزيز" يجلس في مكان منخفض عن والده. ونسب سموه لعبدالعزيز بن عبدالله بن ماضي - رحمه الله- القول : إنه كان في مجلس خاص بالملك فيصل بن عبدالعزيز - رحمه الله - عندما كان نائباً للملك عبدالعزيز في الحجاز، وقال: كنا جلوساً على الحبوس (مواضع للجلوس من الحجر) والملك عبدالعزيز جالساً على الأرض، فأستنكر الملك فيصل ذلك، واندهش لهذا القول، فأوضح إبن ماضي ذلك قائلاً: جئت مع والدي عبدالله بن ماضي - أمير روضة سدير آنذاك- إلى الرياض للسلام على الإمام عبدالرحمن، والملك عبدالعزيز، وجلسنا على الحبوس التي وضعت في الديوانية لأجل جلوس الإمام بسبب ألم ركبتيه، وعندما دخل الملك عبدالعزيز سلم على والده، وقبّل يده، ثم جلس على الأرض في آخر المجلس احترامًا له، وهذا الذي أزال استغراب الملك فيصل - رحمه الله-. ولم يقف بر الملك عبدالعزيز بوالده إلى هنا، حيث قال سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز، إن والده كان لا يقبل أن يُطلق عليه لقب الإمام في حياة والده، تأدباً وتوقيراً له، وكان يلقب بالسلطان، ثم الملك إلى أن توفي الإمام عبدالرحمن سنة 1346ه، وأصبح عبدالعزيز يلقب بالإمام بعد ذلك، إلى جانب كونه ملكاً. وأفاد سموه، أن من أدب الملك عبدالعزيز مع والده وبرّه به، كان يساعده كثيراً على إمتطاء صهوة جواده، فيرفع قدميه بنفسه مع وجود مرافقيه، كما نقل ذلك صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن عبد العزيز في كتابه (صور من حياة عبد العزيز). ونقل سموه عن عبد الحميد الخطيب في كتابه (الإمام العادل) ما شاهده حينما جاء الملك عبدالعزيز واستقبل والده عند مدخل باب السلام في المسجد الحرام وحمله لكبر سنه ودخل به إلى مصلاه، ولم يشأ أن يتولى ذلك غيره. كما نقل سموه عن أحمد حمدي طاهر - رحمه الله - في كتابه (الحجاز مهبط الوحي) ما رواه أحد العلماء من أهل مكةالمكرمة حيث قال: كان الملك عبدالعزيز مع والده الإمام عبدالرحمن في الحج، فطافا معاً، لكن الأب أدركه الإعياء في آخر أشواط الطواف، فحمله عبدالعزيز ليتم بقية الشوط دون أن يترك ذلك لرجاله. وأكد سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز، أن بر الملك عبدالعزيز بوالده، لم يكن أقل من بره لوالدته، حيث أهتم بها ورعاها، وحرص على رضاها أحسن ما يكون البر والرعاية. وذكر في ذلك السياق، أن للمرأة اهتمام خاص في حياة الملك عبدالعزيز، إذ كان يستشير أخته الكبرى نوره - رحمها الله - في شؤون أسرته وشؤون النساء لقوة شخصيتها وتدينها ومحبتها للخير، ويقبل - رحمه الله - شفاعتها للناس دون تردّد، فضلاً عن أن الملك عبدالعزيز كان من ضمن برنامجه اليومي إذا انتهى عند الظهر من مقابلة الناس، وانجاز العمل في قصر الحكم، يقوم بزيارة أخته نوره في بيتها، تقديراً لها. وفي رسالة من " نوره" إلى شقيقيها الملك عبدالعزيز، عام 1339ه، نشرها الشيخ عبدالعزيز التويجري - رحمه الله - في كتابه (لسراة الليل هتف الصباح) رداً على وصية الملك لها بالاهتمام بوالدة أحد شيوخ القبائل الذي ناوأه، واستقبالها، والحرص عليها، تقديراً لإبنها ولأسرته، على الرغم من مواقفه المعادية، قالت نوره (والذي جانبكم يوصي عليها، إن شاء الله ما أمرتم على الرأس، ونوخت علينا وهي الآن عندنا ) .