قيام الدولة الفلسطينية يتطلب نوعا من المصالحة الوطنية بين حماس والسلطة إن الحديث مع الناس في أحد متنزهات نابلس ذات مساء جمعة هادئة، يجعلك تشعر أن الضفة الغربية تتقدم نحو الأمام في ظل قيادة رئيس الوزراء سلام فياض والسلطة الفلسطينية. لكن التقدم الحاصل لا يحظى بتغطية إعلامية كافية لأنه يتم خطوة خطوة كما أن قطاع غزة تحت قيادة حماس استأثر بكل الأخبار المثيرة مؤخرا. قالت لي نيلام قدورة عندما كانت تستمتع بعليل ساعات المساء الأولى ذات جمعة "تحسنت الأمور بشكل كبير اليوم" بفضل الحملات الأمنية التي شنتها حكومة فياض. ثم أضافت قائلة "بإمكاني رؤية الدولة الفلسطينية متجسدة هناك، إنها قادمة...نشعر بها في الشوارع". ويبدو أن السيدة قدورة تعكس سياسة السلطة الفلسطينية القائمة على ضرورة بدء المواطنين الفلسطينيين في بناء الدولة بأنفسهم بدل انتظار أن تثمر المساعي الدبلوماسية التي طال انتظارها عن إقامتها. وليس هناك مجال للتشكيك في أقوال السيدة قدورة أو الطعن في نزاهتها لأنها كانت تتحدث بحماس كما عكسته عيناها المتألقتان. وكل من تحدثنا إليه في المتنزه المذكور أكد الكلام نفسه إذ تقول عنان فهد على سبيل المثال "تحسنت الأمور بشكل كبير بحيث أن السلطة أصبحت تتحكم في الأوضاع". المكان الذي تحدثنا فيه مع الناس لا يبعد سوى نصف ميل عن مخيم بلاطة وهو مخيم لاجئين طالما كان يوصف سابقا بأنه معقل التشدد في الضفة. لقد كان الصحفيون يعبرون المكان بخوف لأن المسلحين الملثمين من حماس أو الجهاد الإسلامي أو كتائب الأقصى كانوا يظهرون في المكان في أي وقت. ومن الواضح أن الكثير من سكان نابلس يرون أن المسلحين رغم أنهم يدعون أن تصرفاتهم شرعية وتنبع من مشاعر الوطنية فإنهم يجمعون بين أنشطة إجرامية وممارسات سياسية. عندما أرسل فياض رجاله في السنة الماضية إلى مخيم بلاطة بهدف تجريد المسلحين من أسلحتهم، فإنهم كانوا يصطادون عصفورين بحجر واحد: جلب النظام إلى شوارع المخيم وتخفيض عدد أولائك الذين ينظرون إلى السلطة الفلسطيينة على أنها عميلة لإسرائيل والولاياتالمتحدة. إن الدول الغربية اعتمدت استراتيجية تقوم على تحقيق رخاء اقتصادي في الضفة الغربية عقب الانقلاب الذي قامت به حماس في قطاع غزة. وكان من نتائج تشديد المقاطعة التي فرضتها الولاياتالمتحدة وإسرائيل والاتحاد الأوروبي على غزة ورفض التفاوض مع حماس تحويل الضفة الغربية إلى نموذج اقتصادي ناجح في ظل حل يقوم على دولتين. وقد نما اقتصاد الضفة الغربية نموا كبيرا منذ أن أصبح فياض رئيسا للوزراء قبل سنوات وذلك بفضل أموال المانحين وحماس المستثمرين الفلسطينيين. لكن بسبب التقلبات التي تشهدها نقاط التفتيش حسب الوضع الأمني، فإن الاستثمارات الأجنبية لا تزال محدودة. ويقول مبعوث اللجنة الرباعية الدولية، توني بلير، الذي يُصور على أنه يعمل على قيام الدولة الفلسطينية المقبلة، إن تقدما كبيرا يمكن تحقيقه. يقول بلير "السنة المقبلة ستكون حاسمة جدا" ومن ثم فإن على الإسرائيليين أن ينظروا إلى قيام الدولة الفلسطينية على أنها "هدف استراتيجي لهم ولأمنهم". مفارقات مبعوث اللجنة الرباعية، توني بلير لكن هناك بعض المفارقات المؤلمة التي حققها فياض في الضفة الغربية ومعه بلير والمجتمع الدولي. إن الشعار الذي كان ينادي به البيت الأبيض والقائم على أن إحلال الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط من شأنه جلب السلام أدى إلى انفصال غزة عن الضفة. لكن رغم التقدم الأمني وتحسن الشروط الاقتصادية في الضفة، فإن السلطة الفلسطينية أصبحت تتصرف على شاكلة الأنظمة العربية الأخرى في منطقة الشرق الأوسط والتي كانت قبل سنوات قليلة محط استهجان المحافظين الجدد في واشنطن. لقد اعتقلت قوات فياض عشرات المتشددين الإسلاميين علما بأن رئيس السلطة محمود عباس يرفض إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية رغم أن ولايته الرئاسية قد انتهت فعلا. ورغم أن السلطة حققت بعض التقدم باتجاه بناء الدولة الفلسطينية، فإن الجهود لا تزال مطلوبة ليس فقط بشأن التوصل إلى حل تفاوضي دائم مع إسرائيل ولكن أيضا بشأن إنهاء الانقسام الذي تشهده غزة. ويطلق الإسرائليون على غزة الذي تحكمه حماس اسم "حماس ستان" لكن مواصلة الحركة تحدي إسرائيل وقربها من إيران جعل شعبيها لدى الكثير من الفلسطينيين والعرب تزداد أكثر فأكثر. لكن قيام الدولة الفلسطينية يتطلب نوعا من المصالحة الوطنية بين حماس والسلطة. يقول بلير بشأن حالة الانقسام القائمة الآن "ستكون هناك دولة فلسطينية واحدة وليس دولتان...ينبغي أن تشمل الضفة وغزة". لكن رغم أن حكومة فياض حققت بعض التقدم باتجاه بناء الدولة الفلسطينية، وحازت على تأييد الشعب في نابلس وغيرها، فإن الطريق لا يزال محفوفا بالمخاطر والصعاب.