الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العليا للسياحة والآثار ، صديق أثير وقديم ، تشرفت بمعرفته فور عودته من رحلة الفضاء الشهيرة عام 1985م في مدينة الطائف ، ومع مرور السنين وتكرار اللقاءات والاتصالات ، توثقت علاقتنا ، وشخصية «(سلطان) تغري بالاقتراب ، فهو رجل ، وهذه الصفة (الرجولة) هي كما قال أستاذنا حمزة شحاتة -رحمه الله- عماد الخلق الفاضل ، وهي في الأمير وراثة واكتساب ، فأبوه (سلمان) ، وجده (عبدالعزيز) ، وهذا يكفي لكي نقول إن هذا الشبل من ذاك العرين ، أمّا الاكتساب فالأمير طيار ، ورائد فضاء ، ومسؤول رفيع المستوى ، ليس بمنصبه الحساس اقتصادياً واجتماعياً فقط ، وإنما بعلمه وثقافته ووعيه ولطفه وتلقائيته ودقته وذكائه الحاد. عندما شرعت هيئة السياحة منذ سنوات في توقيع مذكرات تفاهم مع الوزارات والقطاعات الحكومية ذات العلاقة ، كان الأمير حريصاً ومستعجلاً يريد أن يؤسس وعياً جديداً بأهمية السياحة وضرورة التعامل معها كمنتج اقتصادي بالغ الأهمية والمكانة ، ونجحت الهيئة –إلى حد كبير- في إشاعة وتكريس هذا الوعي ، لكن ترجمته على أرض الواقع تحتاج جهوداً متضافرة وعملاً دؤوباً ، وهو ما تعمل عليه الهيئة ، لكن هناك قطاعات أخرى كثيرة وأهمها البلديات مازالت ترجمتها لطموحات الهيئة غير مقروءة جيداً ، وهي فيما أظن مازالت بحاجة إلى مترجمين أكفأ وأسرع ، وهذا حديث يطول. كنت متفقاً مع الأمير أن يزورنا في الصحيفة يوم الإثنين الماضي بمناسبة وجوده في المنطقة الشرقية لمناسبة (التراث العمراني) ، ورتبت أن ندعو عدداً من المهتمين بالتراث والسياحة والمستثمرين ونعقد لقاءً موسعاً يحضره الزملاء في الصحيفة ، ولكن قدّر الله وما شاء فعل ، احترق المبنى صباح الأربعاء قبل الماضي ، وأصبح المكان غير لائق للاستضافة ، ومع وقع الصدمة وارتباك الأمور اختلت البرامج والمواعيد ، فاتصلت بالزميل الخلوق ماجد الشدي مدير عام الإعلام والعلاقات العامة في الهيئة العامة للسياحة والآثار يوم السبت الماضي ، وطلبت منه نقل اعتذاري للأمير ، وقلت نرتب موعداً آخر مستقبلاً ، وانتهى الأمر. مساء أول أمس فوجئت بالأمير داخلاً على مكتبي ، في مفاجأة كانت من أسعد المفاجآت المفرحة فعلاً. الزيارة لم تكن متوقعة مطلقاً لسببين ، الأول أن الأمير سبق أن اتصل مشكوراً في يوم الحريق وسأل واطمأن ، والثاني أنه مشغول جداً ، ومن متابعتي كنت أعرف أن جدول مواعيده مزدحم، وكنت أنتظر زيارة الزميل الشدي فقط الذي فهمت أنه لن يجد وقتاً إلا بعد سفر الأمير ، لكن (سلطان) رتب أن يأتي دون ترتيب ، حتى إنه طلب من موظفي الاستقبال أن لا يبلغوا أحداً عند دخوله من عندهم. أسعدتنا –المدير العام والزملاء وأنا- زيارة الأمير الذي قطع علينا اجتماع عمل كنا نناقش فيه خطة الترميم ، فأشعرنا بأريحيته أنه واحد منّا ، وبث فينا روح الطموح ، والتفاؤل. وهي روح تبثها أعين الأمير وقسمات وجهه قبل لسانه الذي يترجم عمق مودته ووعيه ، وكل هذا ليس غريباً ولا جديداً ، فالغالبية ممن سيقرأ كلامي هذا يعرفون سلطان الرجل الإنسان ، ولكنني أردت تخليد فرحة وابتهاج (الشرق) بمفاجأة الأمير فقط.