ما معنى أن تصف فعل أحد بأنه (خادش للحياء) أو (مخل بالأدب)؟! إن المعنى الذي يتبادر إلى الذهن من ذلك ، أنك تطعن في حيائه وأدبه. وهكذا كانت جناية جامعة الباحة على إحدى طالباتها. هذه الجناية لم تكن من موظف أو أستاذ ، بل كانت من قمة الهرم الإداري والأكاديمي في الجامعة ، من سعادة عميد الكلية التي تدرس فيها الطالبة ، ثم من معالي مدير الجامعة. وكانت هذه الجناية على خلق الطالبة وأدبها تبريراً قدمه كل من العميد والمدير لما اقترفه سعادة العميد من تمزيق للوحات الطالبة وإلقائها أرضاً حين كان يفتتح المعرض التشكيلي الذي أقامته. استحلت الجامعة العدوان على أخلاق الطالبة هند الغامدي ، بذريعة الدفاع عن الأخلاق الحميدة والحفاظ على الحياء والأدب! حسناً! كيف بدت أخلاق الجامعة وهي تذود عن حياض الأخلاق كما تدعي؟! ثلاث دلائل يمكن أن نرى عبرها أخلاق الجامعة وثقافتها في هذا الصدد : الارتجال الشخصي ، والعنف المادي، والضحالة الثقافية. لم يستشعر سعادة العميد للحظة واحدة أنه في مؤسسة رسمية تحكمها أنظمة ومجالس ولا يسوغ له أن يتوهم بذاته أمراً ثم يصدر حكمه عليه وينفذه. ولقد كان سعادته يحكي بعنفه المادي تجاه معرض الطالبة عقلية غريبة لا صلة لها بالجامعة من حيث هي دلالة على العقل والعلم والاستنارة. إنه عنف لا يدل فقط على ضيق الصدر والعقل بل يجاوزه إلى عدم الاكتراث بممتلكات الآخرين الشخصية وهي هنا لوحات الطالبة ، إضافة إلى التفوه تجاهها دون أدنى تحوّط. وقد دللت الحادثة على أن بعض المنتسبين لجامعة الباحة ثقافياً ، خارج أي وعي بالثقافة الفنية والإبداعية. هل بدا -مثلاً- أن سعادة العميد يعرف (فن البورتريه)؟! وكيف تتجسد فيه الموهبة والامتياز الإبداعي؟! وبأي معنى يستنطق المتذوقون رسوماته؟! الطالبة هند الغامدي التي وقع عليها العدوان بدت ، في رد فعلها على الحادثة ، على قدر عالٍ من الشجاعة والثقة بالنفس واليقين في موهبتها. إنها تحكي القصة من أولها عن محاولاتها في الرسم ثم اقتراح إحدى صديقاتها إقامة معرض لإعلان موهبتها ، وتعب الشهور في الاستعداد له. ثم تعلن أساها وحزنها على ضياع تعبها على يد السيد العميد ، قائلة : (حزنت كثيراً لما حدث للوحاتي وبكيت كثيراً وحاولت العميدة وبعض من أستاذاتي تهدئتي). والمعنى في ذلك هو الاحتجاج على تصرف العميد والإدانة له ، فلم تصمت ولم تختبئ لأن المعرض لم يعجب العميد. إنها بذلك تثبت موقفاً مسؤولاً ووعياً ساطعاً بموهبتها وفعلها الإبداعي. ولم يغب عن الموقف كله والد الطالبة ، في دعمه لها واستنكاره تصرف العميد ، لقد كان يدلل على انتماء ابنته إلى محتد من شجاعة الرأي وصراحة الموقف الثقافي بلا أدنى التباس! موهبة الطالبة مثيرة للإعجاب في رسم البورتريه وتشكيله والقدرة على اقتناص الملامح التعبيرية والدلالة عليها وتضمين بعض رسوماتها دلالات رمزية أبعد مدى. والإعجاب يزداد بموهبتها وخبرتها لأنهما نتاج جهدها الذاتي الذي لا أثر فيه لمعونة الجامعة أو لصقل التعليم. فلئن قلنا إن على بعض رسوماتها ملحوظات من جانب أو آخر فهي إدانة لانعدام ما تزعمه الجامعة من احتضان المواهب ، بل هي إدانة لبيئة تعليمية وثقافية تطوِّق المواهب وتكلها لجهودها الذاتية.