من المؤسف أن مصطلح (السلفية) أصبح من المصطلحات التي لا يعرف معناها إلا بضوابط دقيقة ، حيث تشعب معنى هذا المصطلح بحسب أتباعه!! فهناك سلفية وصفها أصحابها بأنها (وسطية) ، وقالوا إنها الأفضل ولا شيء سواها!! ثم سمعنا ب(السلفية الجامية) المنسوبة ل(محمد أمان الجامي) ، ومع أن أتباعها ينكرون انتماءهم للجامي ، ويقولون : إن سلفيتهم هي السلفية الحقة إلا أنهم لا يعرفون عند عامة الناس إلا بالجاميين!! وهناك (السلفية الجهادية) التي برزت بقوة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م ، وكان بداية ظهور هذا التيار في مصر ، ثم انضم بعض قادته إلى تنظيم القاعدة وجعلوا من تغيير الأنظمة بالقوة شعارا لسلفيتهم ، وقد وصف بعض الباحثين هذه السلفية ب(الجهادية) تمييزا لها عن باقي السلفيات التي لا ترى الجهاد طريقا لحل أزمات المسلمين ، أو ترى وجوب طاعة ولي الأمر بالمطلق مهما كانت عقيدته حتى لو أظهر الكفر البواح!! السلفية الجهادية -كما يقول أصحابها- جاءت لمحاربة الحكام الطواغيت الذين لا يقيمون شرع الله ويقفون إلى جانب الكفار ضد مصالح المسلمين في كل مكان ، وهؤلاء -أي الحكام- يجب التبرؤ منهم ومقاومتهم بالسلاح وإحلال آخرين بدلا عنهم .. بهذا المفهوم بدأ السلفيون الجهاديون ينظمون صفوفهم لتحقيق رؤيتهم الفكرية عن طريق (الجهاد!!) داخل حدود العالم العربي والإسلامي ، وكانت قمة (جهادهم!!) العملية التي قاموا بها في أمريكا عام 2001م التي ظنوا أنها ستحقق لهم النصر المبين!! رؤية السلفية الجهادية لم نجد لها قبولا في أوساط عامة المسلمين ؛ لأنها -بكل بساطة- لا تتفق مع مفهوم السلفية ولا تتفق -أيضا- مع مفهوم الجهاد. إن فكرة تكفير عامة المسلمين الذين لا يتفقون مع فكرة دعاة السلفية الجهادية أمر لا يمكن قبوله ؛ لأنه يتنافى مع أبسط مفاهيم الإسلام ، كما أن الأسوأ هو استباحة قتل المسلمين باعتبارهم كفارا أصليين أو حماة للكفار!!.. قد يكون من بين هذا النوع من السلفيين من يرى قتل المسلم في حالة الاضطرار ، لكن هذا المسلم -حسب رؤيته- سيذهب إلى الجنة ، وهذه خدمة يقدمها (القاتل) لضحيته، وربما ينتظر ذلك (القاتل) من يشكره على فعلته تلك!! تكفير المسلم ليس من صفات السلف ، وقتله جريمة عظمى ، وليس من حق أحد أن يتطوع بالإسراع في إلحاق مسلم بالجنة وهو يعتقد أنه يقوم بعمل عظيم!! فهذا من أسوأ أنواع الجرائم الشرعية ، فكيف يمكن أن نجعل الجهاد قتل المسلمين أو المعاهدين الذين دخلوا بلاد المسلمين حسب اتفاقات واضحة ، ولو علم هؤلاء أن هناك من سيستبيح دماءهم في البلاد التي سيذهبون إليها لما خرجوا من بلادهم!. السلفية الجهادية بدأت بالانحسار ، وربما كان ل(الربيع العربي) دور في ذلك ، كما أن بعض كبارهم تراجعوا عن أفكارهم ، وكتبوا ذلك في مجموعة من الكتب تركت أثرا في مجموعة كبيرة من أتباعهم ، وأيضا كان لهذه المؤلفات أثر في ابتعاد الكثيرين عن أصحاب هذا الفكر الذي ثبت أنه لا يتفق مع قواعد الإسلام ، بل ثبت أنه من أكبر معوقات انتشار الإسلام ، كما أن قتل الناس وتكفيرهم أعطيا انطباعا عند عامة الغربيين بأن الإسلام هو دين الإرهاب ، ما سهل لأعدائه تجييش الكثيرين ضده، مما جعلنا نرى ظاهرة انتشار الخوف من الإسلام (فوبيا الإسلام) في أوساط الكثيرين ، فعوقت حركته وأساءت إلى أهله كثيرا. أعتقد أن هذا التيار في سبيله إلى الزوال ، وبخاصة إذا ضعفت البيئات الحاضنة له. أما أنواع السلفيات الأخرى ، فستبقى يصارع بعضها بعضا ، إذ أن كل مجموعة ترى أنها حاضنة السلفية الحقة على عكس سلفية الآخرين ، والحق أن كلا يدعي وصلا بليلى وأظن أن ليلى لا ترضى بهم جميعا ، فهناك سلفية واحدة بفهم واضح سليم لا يخضع للأهواء والمصالح.