كنت خلال الايام الماضية في مدينة جدة في ضيافة زميلي العزيز (مطنش) الذي كنا نكتب أنا وهو في جريدة البلاد قبل عشر سنوات والذي اصطحبني في جولة على العديد من أحياء مدينة جدة .. فقلت له ياعزيزي أنا لست بغريب عن جدة فمن منا لايعرف جدة أم الرخاء والشدة ، وجدة عروس البحر الأحمر ، وجدة غير ، وقد عشت جزء من طفولتي في جدة متنقلا مابين النزلة اليمانية والهنداوية. قال لي أنا هذه المرة سوف أخذك الى أحد الاحياء التي تنفتح نفسك فيها وتنفتح معها شهيتك للكتابة ،، قلت له طالما أن فيها كتابة توكلنا على الله وأخذني في سيارته المهكعة والتي أسماها زوبة والتي خذلتنا في الطريق في أكثر من موقف ، فمره المكيف لايبرد ومره أنزل أدف حتى تشتغل وأولاد الحلال يسارعون في مساعدتي ومره أفتح الكبوت لارتفاع الحرارة فيها فقلت له يامطنش الله لايعيدها من زيارة لك وكان يوم أغبر وأمحق من جولة معاك في هذه الاجواء الحارة والرطبة التي جعلت ملابسي تبتل وتلتصق بجسمي من شدة العرق والرطوبة والتي جعلت ريحتنا تطلع .. فقال لي خلاص هانت فقد وصلنا الى شارع (القورو) هذا هو القلب النابض لحي الكرنتينة ، وساعتها تنفست الصعداء وحمدت الله وكلكم بالتأكيد تعرفون الكرنتينة أو قد سمعتم عنها ، واسأل الله لكم أن لا أحد يشاهد منكم ذلك الحي ، فقلت له ربنا يستر من هذه المغامرة الممزوجة بالخوف والحذر معاك يامنطش وأخشى أن تطنشني كعادتك معي وتتركني في هذا المكان فقد تعودت على مقالبك الخنفشارية ، قال لي شوف وأحكم أنت بنفسك وليس هناك مقالب ولاهم يحزنون ، قلت له ياأخي مطنش إنت متأكد اننا في جدة وخلعت نظارتي المقعرة وقلت له مرة ثانية أنت متأكد أننا في السعودية .. أم نحن في كوكب أخر وقد خيل لي أننا في الصومال أو بوركينا فاسو من تلك المناظر الغريبة والمخيفة والشوارع المليئة بالحفر والمطبات والحارات الضيقة المتعرجة والمليئة بالقاذورات والقمامة المختلطة مع مياه الصرف الصحي والروائح التي تدعو للغثيان والمناظر التي تدعو للاشمئزاز ، والأزقة التي تعج بالمارة من النساء والأطفال والعمال والمتسولين بجميع العاهات المختلفة ، والحاجيات اللاتي يبعن القورو ، والأطعمة المكشوفة ولا تكاد تجد لك مكان للمشي من اكوام النفايات في الشوارع والذباب الذي يحوم فوق رأسك ، وبالمقابل تجد هناك أكوام من الثياب والأحذية المستعملة والمسروقة معروضة للبيع والتي رائحتها تُزكم الانوف وسألت مطنش مرة ثالثة أنت متأكد أننا في جدة فقال لي أنت شايف نحن أين؟ فلم نتعدى الحدود بعد وليس من سمع كمن رأى وشاهد ، الكرنتينة ذلك الحي العجيب المليء بالغرائب والعجائب والمتناقضات ذلك الحي الذي معظم ساكنيه من الافارقه ، حيث اصبح بؤرة للفساد ووكر للمجرمين والهاربين ومتعاطي المخدرات والعمالة المخالفة والغير نظامية ومكان لبيع الممنوعات والمسروقات ، حيث أصبح مكان أمن لهذه الفئات المخالفة بعيدا عن الانظار وعن عيون رجال الأمن ولو تجول أي منكم داخل الكرنتينة لرأى العجب العجاب ، مخالفات بالجملة علنا وفي وضح النهار والليل وعلى عينك ياتاجر كما يقولون ... وإذا أردت أن تدخل ذلك الحي سوف تشعر إنك غريبا في ذلك الحي ، وما عليك إلا أن تتخلى عن شماغك أو غترتك وعقالك ، وأعقلها وتجول فسوف تجد ضالتك التي تبحث عنها ابتداء بالعرق والخمور والمخدرات ومشتقاتها وانتهاء بالنساء .. وأنت تتجول ليس عليك حرج في طلبك الذي تريده وقد يبادرك أحدهم ويعرض عليك كل ماتريد ، فلديهم لبن العصفور ، وقد خرجنا من ذلك الحي مسرعين من قذارة المكان لنبحث عن أقرب صيدلية للحصول على بعض المسكنات والمهدئات لما أصابنا من الدوار لحد الغثيان والصداع مما شهدناه ،، فمتى يتم الالتفات من قبل الجهات الامنية وهيئة الامر والمعروف ، لتطهير هذا الحي واستئصال هذا الورم من جسد العروس والتي لم تعد عروسا لكي لاينتشر في بقية جسدها وعندها لن تفيد معه كل الاشعاعات و الكيماويات والتدخل الجراحي للتصدي له والحد من انتشاره ورددوا معي ياليل مطولك ... النبض : كل ماجاء الطاري في عرس وخطوبة وقلنا من هيا العروس .. قالوا جدة ،، جدة ياوهج الشموس كل ما أسافر لجدة اللي فيها القلب ساكن .. ترجع سنين القصيد .. ترجع وجيه اللي غابوا من الصحاب .. في مرايا الموج في ورق الصحاب .. من مشى درب المدينة أو سرى .. ********** وين أبحر والمواعيد القديمة .. وكل ذكرى حلوة حتى لو كانت أليمة .. وين عمري اللي أنقضى بصفوه وشحوبه .. ولو بعدنا عنها مدة وقلت أسماك الشعب .. برضه تفضل هي جدة .. دايم هي جدة .. هي المكان اللي نوده .. وهي مكان اللي نحب .. بدر بن عبدالمحسن --------- كاتب صحفي