ما أحوجنا كدعاة إصلاح وتطوير إلى التغيير تماماً ، بعيداً عن النواح وفق دوامة لا تنتهي من الصخب الذي لا يرى إلا الرغبة الجادة في إقصاء وتهميش أي فكرة لا تنبع من ذواتنا نحن فقط ، وكأننا نحن الأوصياء على الحقيقة وأما من سوانا فما هم إلا توابع لنا في تنفيذ الحقيقة التي غرسناها. المهم في طريق الإصلاح أن نتفق على مصلحة عُلياً نسعى جميعاً نحو تحقيقها بعيداً عن الانغماس في أجواء يسميها الأكثرية أجواء الاحتقان بينما لا تعدو أن تكون البداية لعملية من الحراك الجاد نحو الإصلاح المراد لكل جوانب الحياة، ومما يجب التأكيد عليه هنا أن علينا أن نرسخ لتغيير كامل وفق منظومة لا تتجزأ، نؤمن جميعاً بأهمية كل جزء منها ، دون قداسة لجزء على حساب آخر. ما أحوجنا إلى أن يعمل الجميع ولا سيما من نُخب العلماء والمفكرين للسعي الجاد والصادق نحو بناء مناخ جديد يبشر بالأمل منطلقاً من أرض الحقيقة وليس عبر بالونات من الوهم الذي لا يلبث أن ينفجر تحت أبسط عمليات الضغط. إن من أهم الأُسس التي ينبغي التأكيد عليها في هذا المجال أن تعمل الأُمة بكل مؤسساتها على توفير الدعم والمناخ الملائم لاستنبات البيئة الخصبة للإصلاح الذي تتطلع إليه كل فئات المجتمع في جو من الوئام بينها ، وفي خطوات محسوبة دعماً لمسيرة الإصلاح المنظم بصفة أكثر جرأة وأدق حساباً. مما يفرض علينا ألا نكل ولا نمل من السعي الدائم إلى التطوير والتغيير بعيداً عن المراهقة الفكرية الساعية دوماً لإثبات الذات من خلال الرفض والرفض القاطع لكل ما لم ينبت من أفكارنا فقط، وهذه المصادرة كان يمكن أن تُقبل أثناء السنوات الأولى للخروج من خنادق الجمود والتحجر على الرأي الأوحد إلى آفاق التعددية في الرأي والسماع إلى الآخرين ، ولكن اليوم بفضل من المولى جلت قُدرته وطننا المملكة العربية السعودية رائدة الحوار والدعوة الصادقة إلى المفاهمة وعدم مصادرة الرأي الآخر. ونحن مع ذلك بحاجة إلى المراجعة الدائمة لكل مبادئ وقواعد الحياة الإنسانية المادية بما يسهم في إشاعة الحرية والعدل الاجتماعي ، ويبث مبادئ وقيم الصدق والإخلاص نحو وفاء المجتمع والأفراد بحقوق المواطنة الصالحة ، سعياً إلى العيش في جو من الحب الصادق والتعلم من الأخطاء لنترك أعظم أثر في حياة الأمم. إن ما نراه من إصلاح وبناء ورغبة جادة في إيجاد آليات لتطوير جميع مناحي الحياة لا يعني الكمال في التخطيط والرؤى وأن ما ننتظره فقط هو السير المنظم في تنفيذ عملية الإصلاح بل على العكس إن العمل يلد العمل ويشع في النفس الأمل ، ومع ذلك فنحن بحاجة دوماً إلى المزيد من المراجعة والتصحيح نحو إعادة جسور الثقة والتواصل والحوار في جو من الفكر الراقي والواعي فالحكمة ليست حكراً على أحد ، وإنما هُما نتاج التفاعل وتلاقح الفكرة وفق المبادئ السليمة للحوار وتقبل الرأي الآخر.