الحوار ظاهرة إنسانية لأنه نشاط عقلي ولفظي. ومن حيث هو ظاهرة اجتماعية ؛ فذلك لأن المتحاورين يقدمون فيه الأدلة والحجج والبراهين التي تبرر وجهات نظرهم بحرية تامة من أجل الوصول إلى حل لمشكلة أو توضيح لقضية ما ، فلا حوار بلا مجتمع وشراكة. ومن حيث هو مطلب جمعي تستلزمه الأوساط الانسانية كافة ؛ فذلك لأنه ظاهرة تحضر في الأوساط السياسية والأوساط الاقتصادية كما تحضر بالفطرة في الأوساط العائلية ، تلتزم مجالس الآباء والخطباء كما تلتزم مجالس الساسة والأدباء ، يتقن ترجمة مفرداته العلماء كما يتقن فعله الأب بفطرته وسطوته وسماحته وتحسن تطبيقه الأم بعباراتها البسيطة وانفعالاتها الغاضبة حينا والرقيقة ، يحاول تجسيد شكله الابن بكلماته المتلعثمة ورغباته المتبعثرة وتصرفاته غير المبررة حينا آخر. فيسقط بردا أبيض يأنس المتلقون به طورا ، ويحمل ريحا صرصرا يتلحف به الجاهل طورا آخر. لا يملك من أدواته كثير من الناس ، ولا يحسن مطاولته قصير الهمّة ولا يتقن السير في دروبه ضعيف النظر. يتم من خلاله تبادل الأفكار فتتفاعل فيه وبه الخبرات وتتلاقح ، كما تتلاقح رياحين الزرع بالفم الذي يحمل العسل ، ويساعد على تنمية التفكير وصقل شخصية الفرد. ومن خلاله تولد أفكار جديدة وينشط الذهن ، وبممارسته يتم التخلص من الأفكار الخاطئة ، وبتطبيقه تطبيقا صحيحا نصل إلى الحقيقة . وحتى تتحقق كلّ هذه الفوائد لابد من امتلاك أدوات الحوار والتمتع بآدابه ، فللحوار آداب جمة ينبغي على الأطراف كافة التحلي بها والالتزام بمفرداتها حتى لا يتحول كلامهم إلى مراء أو جدال من غير قصد يُذكر ، أو يكون الحوار سعيا للشهرة لغرض المخالفة عن جهل يُذم ويُنكر.