احتراما مني لنصوص الأنظمة المرعية التي تمنع الصحافة من التطرق للأحداث الخاصة بالقضايا التي لاتزال رهن التحقيق والمحاكمة إلا بإذن رسمي من الجهة المختصة فإنني لن أخوض في الوقائع والتفاصيل الدقيقة لمقتل الطفلة البريئة (لمى) رحمة الله عليها، ولن أعرج إلى سرد آخر التطورات والمستجدات الإجرائية. وتفهما مني للقاعدة القانونية المعروفة (المتهم بريء حتى تثبت إدانته) فإنني لن أذهب إلى تبرئة أو إدانة والد الطفلة (المتهم بتعذيبها حتى الموت)، غير أنني سأمنح لنفسي هنا حقها الكامل في محاولة فهم سبب إصرار الكثيرين على نفي صفة (الداعية) على هذا المتهم أو ذاك!؟. عندما كنت أكتب في (مجلة رؤى) إلى جانب المقالة الأسبوعية صفحة كاملة تعنى بالاستشارات القانونية كانت أغلب الاستفسارات التي تردني تدور حول قضايا الأحوال الشخصية، كان هناك الكثير من النساء عشن على هامش الحياة الزوجية، الواحدة منهن تصنف بعقد النكاح على أنها زوجة فلان من الناس إلا أن واقع الحال يقول بأنها لا تحظى بأية حقوق أساسية، لا نفقة ولا معاشرة ولا ابتسامة ولا حتى كلمة طيبة كان أكثر شيء يؤلمني ويؤرق منامي وقد تكرر ذلك كثيرا عندما تصرح لي تلك السيدة المستضعفة في نهاية مكالمتها العابرة بأنه: لن تصدق أيها المستشار لو قلت لك بأن زوجي رجل متدين يعظ الناس ويخطب فيهم ولكنه ينسى أن يفي بأبسط حقوقه تجاه أسرته وبيته حتى بات في نظري (داعية لا يعرف الرحمة) !!. هناك الكثير من المواقف لابد أنها مرت على كل منا، لكننا كنا نحسن الظن ونتعامل معها بأخلاق وحكمة، الواحد منا يكون جالسا مع أصدقائه في البر أو على الكورنيش لغرض الترفيه عن النفس والبعد عن ضغوطات الحياة وفجأة يقتحم تلك الخصوصية شاب في مقتبل العمر ليجلس ويعرف بنفسه على أنه (أبو قتادة أو أبو البراء) ثم يبدأ بعد ذلك في حديثه الطويل عن الحرام والحلال وكأنه ضبط المجموعة في وكر أو ملهى ليلي لا قدر الله ونفس المشهد قد يتكرر معك بعد الفراغ من أداء الصلاة بالمسجد، حيث يشق الصفوف شاب يدفعه الحماس فيمسك المايكروفون ويبدأ حديثه عن صفة الوضوء وأركان الصلاة!!، أما هذه الأيام فقد انتقلت الحالة إلى القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية وأصبحت الدعوة والإرشاد (مهنة من لا مهنة له) !!. الحقيقة أن وصف (الداعية) لهذا الإنسان أو ذاك، يمكن إطلاقه بمجتمعنا بكل سخاء، حتى بات الأكثر إقبالا وشعبية منهم، من يتحدث عن ماضيه الأسود وتجربته المثيرة مع الإدمان أو التفحيط، وما أن يقع الواحد منهم في شر أعماله، حتى ينكر عليه البعض صفة ( الداعية) كنوع من الإدانة وكي لا تعمم سوءته على بقية الدعاة !!. إنه لمن المؤلم حقا أن يشترط للعمل ببعض الوظائف والمهن الدنيوية الشهادات العلمية والخبرات العملية وصحيفة الخلو من السوابق، بينما يكفي لممارسة الدعوة إلى نعيم الدار الآخرة لحية طويلة وثوب قصير ودهن عود!!.