لدى بعض ممّن هم محسوبون من علماء المسلمين اليوم حساسية بالغة من أي جديد يرتبط بالدّين مهما جمل ، والسبب الجاهز لديهم الحذر من الوقوع في الشرك ، أو البدعة ، مُحتجّين بأن الغابرين لم يسبقونا إليه ، ولو كان خيرًا لسبقونا إليه ، حتى لو لم تتوفر لهم الأدوات والآليات والوسائل المناسبة ، والأفكار المبدعة في حينها ، التي تؤكد أن في الحياة تدرُّجًا في المعرفة وتراكُمًا في الخبرة ، وأن من المستحيل جمود الممارسة الفكرية البشرية على مر الأزمنة والدهور. وكذلك فعل التابعون الذين صنّفوا علوم الشريعة ، وشرحوها ، وأبدعوا فيها بما لم يكن من قبل. ولو أنهم استندوا إلى القول بالجمود ، لما كان هذا التراث العلمي الشرعي الهائل الذي استفادت منه أجيال المسلمين على مدار التاريخ ، كما استفادوا من تراث وفكر الذين جاؤوا من بعدهم حتى يومنا هذا ، بل وحتى قيام الساعة. وكثير من هؤلاء المتحوطين جدًّا يفترضون أن معظم المسلمين جهلة ، وسيظلون كذلك حتى يوم الدين ، ولذا سينساقون إلى أعمال شركية ، أو بدعية. ولست أدري إلى متى ستظل هذه التهمة ملتصقة بالمسلمين! حتمًا ستظل نسبة منهم من الجهلة المتخلفين ، وهي قلة ضئيلة ، وستظل عقيدتها مشوّهة عليلة ، سواء جمدنا على ما سبق ، أو أبدع المبدعون فيما قدم. أمّا الأصل فإن غالبية المسلمين اليوم متعلّمة ، وغدًا ستكون أكثر تعلّمًا ، خاصة الأجيال الصاعدة القادمة! ومن أسف أن هؤلاء لا تُتاح لهم فرصة الحج ، أو حتى العمرة ؛ لأنهم ما زالوا ينتظرون طبقًا لنظام الحصص التي تسري على جميع الدول بالاتفاق مع المملكة. ولذا لا يأتينا غالبًا إلا الذين جاءهم الدور ، وقد بلغوا من الكبر عتيًّا ، وعلى بعضهم يغلب جهل مركب بالدِّين والدنيا ، ولو كان عالِمًا بالدنيا (فضلاً عن الدِّين) لما أطلق لنفسه عنان الاستسلام للأساطير والخرافات والجهالات. طبعًا الجهل سبّة لا أحد يحبّها لقومه أو أمته ، خاصة أن العالم من حولنا قد امتلك أجواز الفضاء ، وغاص في أعماق المحيطات ، وأحاط بما أحاط به الاختراعات والاكتشافات التي لم تخطر ببال أحد من قبل.