ليس من الضروري أن تكون الخلافات وعدم الاتفاق بين الآراء سببا للفرقة والتنافر بل ربما تكون تلك الخلافات سببا في حصول الرحمة في المجتمع عن طريق منحها الافراد أكثر من مسلك يمكن أن يتبعوه عند بنائهم لآرائهم , ولعل صدور نظام الرهن العقاري في الآونة الأخيرة حسم جولة أخرى من جولات الخلاف في الرأي والذي أثر في بعض الاحيان على البيئة الفقهية في المملكة رغم تعدد الآراء في هذا الموضوع , فقد كان هناك الكثير من المؤيدين والمعارضين حول موضوع تنظيم مسألة الرهن العقاري في المملكة , فالفئة المؤيدة كانت حجتها هي ضرورة تنظيم مسألة الرهن العقاري في المملكة وأن قوة اقتصادية كبيرة في المنطقة كالمملكة العربية السعودية لا بد أن تكون لها قواعد واضحة وصريحة حول هذه المسألة , أما الفئة المعارضة فكانت تخشى من تكرار سيناريو الأزمة الاقتصادية التي اصابت اوربا وأمريكا وكان الرهن العقاري أحد الاسباب الرئيسية فيها , وفي الواقع فإن الاعتقاد بأن الرهن العقاري هو من له نصيب الأسد في حدوث الأزمة الاقتصادية العالمية فيه شيء من المبالغة , والواقع هو أن انفجار الازمة الاقتصادية العالمية كان يعود لعدة اسباب لعل اهمها هو الفوائد البنكية التي كانت تأخذها البنوك من عملائها الذين يقترضون منها من أجل شراء مساكن لهم , حيث إن الفوائد البنكية الضخمة والتي قد تصل إلى 10% من قيمة القرض قد تجبر أحيانا المقترضين على رهن المساكن التي اشتروها للتو للبنك من أجل سداد القروض وفوائدها , ونظراً لنمو الفائدة بشكل مستمر مع تأخر سدادها فإن البنك يقوم بوضع يده على العقار في نهاية المطاف من أجل ضمان استيفاء أمواله , تحول هذا الأمر إلى ظاهرة ادى بالتدريج إلى حصول الأزمة الاقتصادية حيث قامت البنوك بصرف سيولتها على عقارات لا يستطيع المواطنون شراءها , ومن هنا نجد بأن الرهن العقاري وإن كان له دور في حدوث الأزمة إلا أنه عامل مساعد في دورة المال في النظام الرأسمالي والتي وصلت لمرحلة من التضخم كان لا بد فيها من انفجار النظام. ولكن علينا أن نضع نصب اعيننا التجربة الأوربية والأمريكية في هذا المجال وأن نحاول الاستفادة منها , فنظام الرهن العقاري يعد خطوة في الاتجاه الصحيح لضمان استيفاء الدائنين لأموالهم ولكنها في ذات الوقت خطوة خطرة , وربما يكون ذلك الأمر هو من أجبر حكومتنا الرشيدة على تحري الدقة ودراسة الموضوع من كافة جوانبه قبل إصدار نظام الرهن العقاري وكل ما يتبقى الآن بات على عاتق المواطن والذي عليه أن لا يجعل من الرهن العقاري وسيلة للتهرب من الدائنين بقدر ما هو وسيلة لضمان استيفاء الدائنين لحقوقهم. والله من وراء القصد