ما أهمية تصنيف الناس طبقاً لرؤاهم وأفكارهم؟ وهل يجوز تصنيف الناس لمجرد رأي يعتنقونه في قضية معينة أو إزاء فكرة مطروحة؟! هل من المقبول عقلاً وصم إنسان مثلاً بأنه ليبرالي لمجرد أنه لا يقر بحرمة الاختلاط على مطلقه؟ أو لأنه لا يرى بحرمة الغناء الخالي من الإسفاف والميوعة والإثارة؟! هل يجوز وصف فلان بأنه غير منتمِ إلى مذهب معين لأنه يُطيل ثوبه ويحلق لحيته ويصبغ بالسواد شعره ؟ وهل إشهار سيف المذهبية سائغ في عصر تعددت فيه المذاهب والتوجهات والأفكار والانطلاقات؟! وإذا كان الله عز وجل يقول: (هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ ..) ، وسُمي به الصحابة الكرام من بعد ، فلماذا أصر على مصطلح قد يُجرِّد البعض من الدائرة الكبيرة التي ارتضاها لنا ربنا وقررها في محكم التنزيل؟! ومن المذهبية إلى الوطنية تصطف اتهامات ومزاعم وتصنيفات ومصطلحات يصل بعضها حد التجريد من (الوطنية) والرمي بالخيانة والاتهام بالعمالة .. اتهامات يؤدي قليل منها إلى الإعدام حداً بالسيف. وآفة التصنيفات أنها لا تحاسب الناس على أفكارهم وأخلاقهم ومواقفهم ، وإنما على أي الأثواب يلبسونها أو يُلبسونها عنوة! وقد يصدر من غريمين الموقف نفسه أو يمارسون العمل نفسه ، فيتم التبرير لأحدهما ويحمل على حسن الظن ، في حين تنطلق السهام الجارحة والاتهامات الصاعقة على الآخر. ولو أن العدل ميزاننا لاكتفينا بانتقاد الموقف من أي كان سواء ارتدى ثوباً وشماغاً ، أو بنطالاً وقميصاً. وطالما رددنا أن الحق لا يُعرف بالرجال! لكن الممارسة الميدانية الواقعية في كثير من مجتمعاتنا تسلك الاتجاه المعاكس ، فكأن الحق يُعرف بالرجال. لذا نرى دفاعاً مستميتاً عن البعض يصحبه تبرير غير متزن ولا مقبول ، وهجوماً مضاداً كاسحاً على البعض المعاكس. وليس ذلك مقصوراً على فئة دون أخرى ، بل هي عدوى تكاد تكون شاملة. إنها أزمة قائمة وأخطاء فادحة تحيلنا دوماً إلى فرقاء متشاكسين وأعداء دائمين! ومع ذلك يردد هذا الطرف أو ذاك ألحان الوطنية ، وأنغام الوحدة ، ويرفعون معا شعارات قلما يشهد لها الواقع أو تصدقّها التجربة. أولسنا في غنى عن ذلك لو اتّسعت صدورنا قليلا ، وكبرت عقولنا كثيرا؟!!!