يبدو أن السبحة كرت في موضوع العلاقة بين الصحافة والمؤسسات والقطاعات الحكومية. أمس اتصل بي مسؤول كبير سابق (متقاعد) ، ومع الأسف طلب أيضاً ألاّ أشير إلى اسمه ، وهذه وحدها قضية ، فبعض المسؤولين سواء كانوا على رأس العمل أو تقاعدوا لا يحبون النقاش الصريح تحت ضوء الشمس ، وكأننا نناقش قضايا سرية خطيرة لا ينبغي أن يعرفها أحد ، بينما هي في الحقيقة قضايا بديهية ، ولا أريد أن أطلق عليها وصفاً آخر. المهم أنه قال لي: أنتم أيها الصحافيون تملكون المنابر وتوجِّهون التهم لمن تشاؤون لأنكم تعرفون أن الطرف الآخر لا يستطيع أن يرفع صوته. قلت: لماذا لا يستطيع أن يرفع صوته؟ قال: لظروف أنتم تعرفونها ، وضرب مثلاً ، بمطالبتي في مقال أمس للوزراء الذين يشكون من الصحف بتقديم الدليل ، وقال: أنت تعرف أن الوزراء لا يستطيعون تقديم الدليل الذي تطالبهم به. قلت: لأنهم لا يملكونه. قال محتداً: لا. يملكونه ولكنهم أكبر من ذلك. قلت: حسناً. فلماذا يشكون إذن؟ قال: هم لم يشكوا ، هم فقط يوضِّحون صورة الصحافة التي تنتقدهم ، والتي لم تصل إلى المستوى اللائق بهم. قلت: ولكن بعضهم – على الأقل – لا يعتقد ما تعتقده أنت ، فهم يقولون إنهم يتفاعلون مع الصحف ويرسلون ردوداً وتعقيبات لكن الصحف تتجاهلها ، ولم يشيروا لا من قريب ولا من بعيد إلى مسألة ما يليق بهم وما لا يليق، فكيف فهمت هذا؟ قال: هل تظن أنني أنطق دون معرفة؟ قلت: معاذ الله ، لكنني أريد أن أفهم ، فهل تجاوب بعض الوزراء والمسؤولين مع الصحافة الأجنبية ، وتجاهل الصحف السعودية يمكن إدراجه تحت هذا الفهم ، أي إن هؤلاء يعتقدون أنهم في المستوى أكبر من الصحافة السعودية ولا يليق بهم التجاوب معها. قال: أنا لم أقل هذا .. أنا قلت إنهم يترفعون عن المهاترات. قلت: هذا ترفع محمود ، لكن المطلوب ليس مهاترات ، المطلوب معلومات وإجابات عن أسئلة تهم المواطنين هنا في الداخل ، ثم إن لديهم ولدى جميع المسؤولين في الدولة أوامر صريحة بالتفاعل مع الصحف ، لتوضيح الحقائق وتصحيح الأخطاء ورد وتفنيد المغالطات ، فما الذي يمنعهم من فعل ذلك؟ قال: أنت تعرف الإجابة وتتجاهلها! قلت: والله لا أعرفها. فأفدني؟ قال: هل تريد أن يقول لكم أي مسؤول إنه مقصر ولديه أخطاء ، حتى تشنِّعون عليه ، وتشهرون به؟ قلت: لا تشنيع ولا تشهير ، بل سينال الاحترام ، ليس منا فقط ، بل من المواطنين المعنيين بخدماته ، لأنه سيؤكد لهم أنه يعمل ، ويجتهد من أجلهم ، والخطأ لا يرتكبه إلاّ من يعمل ، وليس النائمون. قال: يا حبكم في الشعارات. قلت: أين الشعارات؟ قال: كل نقاشك شعارات. والآن أقول لكم احكموا أنتم ، كل ما يمكن أن أقوله (الحمد لله أن هذا المسؤول تقاعد ، وأدعو الله أن لا يطول الزمن إلاّ وفكره وتفكيره هذا قد تقاعد واندثر).