إنما بعث سيد الخلق المصطفى محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم - ليتم مكارم الأخلاق، وأقرب الخلق إليه يوم القيامة أحاسنهم أخلاقاً، حيث يقول: (إن من أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً) وفي لفظ آخر (إن أحبكم إلي أحاسنكم أخلاقاً الموطوؤن أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون وإن أبغضكم إليّ المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الأحبة، الملتمسون للبراء العنت).. والعرب أمة تحب الفضائل وتنفر من الرذائل، لذلك استبقى الإسلام من فضائلها الكثير، ودعاها للتخلي عما التبس منها برذيلة كالفخر بالأنساب والهجاء، وكلاهما خلق ذميم من أخلاق الجاهلية، نبذه الإسلام ودعا الخلق إلى اجتنابه، والقدوة في هذا الأمر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الذي قالت عنه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لما سئلت عن خلقه (لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً، ولا سخاباً في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة مثلها، ولكن يعفو ويصفح)، وإنما يكب الناس على وجوههم في النار حصائد ألسنتهم، كما ورد بذلك الحديث الصحيح، وأخطر ما في التسرع بالسباب والشتائم أن تفنى حسنات من اعتاده عند كل اختلاف، فإذا لم يبق له شيئاً منها أخذ من سيئات من نالهم بلسانه وطرحت عليه، ثم طرح في النار، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتدرون من المفلس قالوا: المفلس منا يا رسول الله من لا درهم له ولا متاع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاته وصيامه وزكاته، ويأتي وقد شتم هذا وضرب هذا، فيقعد فيقتص هذا من حسناته.. وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقتص ما عليه من الخطايا، أخذ من خطاياهم فطرح عليه ثم طرح في النار)، ولما سئل سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أي الإسلام أفضل، قال: (من سلم المسلمون من لسانه ويده). وأخي محمد بن عمر بن عبدالرحمن بن عقيل الشهير بأبي عبدالرحمن بن عقيل الظاهري لا حصر لمن تناولهم بلسانه وقلمه بأقذع السباب والشتائم، فكل من ظن أنه يخالف له رأياً صب جام غضبه عليه واستفرغ من صدره كل ما جال فيه من لفظ سيئ، ولأن كثيراً ممن نالهم أذاه كانوا على نقيض أسلوبه هذا، فكل منهم يربأ بنفسه عن هذا اللون من السباب ومعهم كل ذي فضل، حريص على أن يتحلى بكل ما دعا الإسلام إليه من الفضائل، وبقي أخي الظاهري وحده المتفرد بهذا اللون من الهجاء الجاهلي - رده الله إلى الصواب وتاب عليه، إنه هو التواب الرحيم. وقد زعم - يرحمه الله - في إحدى مطولاته المملة، والتي قل من يقرأها، والتي نشرت في 6/1/1433ه، أني قد كتبت عنه في الإنترنت وما صدق، فلست من كتاب تلك الساحات، التي له فيها أتباع يدافعون عنه، ويبالغون في وصفه فهو العلامة والإمام السلفي ولست بحمد الله ممن يحبذون الكتابة في تلك الساحات الموبوءة ولست ممن يثقون بما يكتب فيها. وما كتبت عن أفكار ابن عقيل سوى مرتين، الأولى: منهما حينما أظهر لنا بدعته التي تفيض حقداً، على أحد كتابنا المهرة فطالب بإسقاط الجنسية عنه، وكان هذا قبل أعوام عدة، ولم أكن وحدي من كتب عن ذلك فقد شاركني آنذاك جل كتاب الصحف، وقد نشر ما كتبته حينذاك في مجلة اليمامة. والثانية: حينما كتبت في ملحق الرسالة بجريدة المدينة تعقيباً على مواجهات معه في حلقات من الثرثرة التي سودت صحائف الملحق لأسابيع عدة. وفي كلتا المقالتين لم أتجاوز نقد الأفكار إلى النيل من شخصه، بل لعلي أعطيته من التبجيل ما لا يستحقه وها أنا اليوم أعلن أسفي على ذلك، خاصة بعد أن قرأت مطولتيه المتلاحقتين المليئة بهجاء أسود، لا يأتيه فاضل من أهل العلم، ودفعه إلى ذلك غرور وكبر وعجب بالنفس صرفه عن الفضائل، فاستخدم من قاموس هجائه أسوأه، من مثل (ادخل عصه فيما لا يخصه)، ومثل التجني المفضوح حينما قال: (بدافع من بعض التعصبات لدروشة التصوف التي تجعل عين عيناً، وعين الشريعة عيناً، وعين الحقيقة وحيا جديدا لذوي الكشف والتجلي من مجنون ومتجاذب ودجال أضروا بالعامة)، ثم يذهب إلى أقصى مدى يستحضره من خياله الخصب بألوان الأذى فيشتم من الصوفية من شاء وما شاء، مما لم يسمعه قط مني ولا من غيري كحبيبنا الدكتور محمد عبده يماني وأسكنه فسيح الجنان، ولعله أعلم بمصطلحات الصوفية من الجميع، ولأنه صاحب شذوذاتٍ لا حصر لها يظن الناس مثله فيأخذهم بالصوت حتى لا يغلبونه كما تقول العامة، فابن عقيل يتلاعب بالألفاظ ليوهم الناس أن من يختلف معهم من الخلق يشذون بأفكارهم مثله، وينسى أنه مقيم على شذوذاته الفكرية منذ كان شاباً، وحتى اليوم، وأنا وهو في السن الذي يقترب بنا إلى النهاية، حتى انه لا يحسن التعبير عن نفسه فهو القائل: غلبني الهوس فكانت لحيتي عند ركبتي لا أهذبها أبداً، وهو المثني دوماً على نفسه، المدعي بأنه يأتي بما لم تأت به الأوائل، فهو يقول عن بعض ما كتبه في جريدة الجزيرة تحت عنوان (لبطة أبو عقيقة)، ثم أصدره في كتاب: (انه جدير بالقراءة من ألفه إلى يائه، لما فيه من غذاء القلوب والأرواح، لا يستغني عنه عالم أو أديب). ومقالاته في الرياض والجزيرة هي أصول كتبه - وشذ عن مذهب السلف فأيد في إحدى مقالاته مذهب الواقفة في قضية خلق القرآن، انتصاراً لإمامه في الهجاء لا العلم ابن حزم الظاهري. وقد تعلّق بهذا المذهب بعد اندثر، كما تعلق قلبه الغناء والموسيقى حتى ألف كتاباً عن إحدى المطربات ودعاها أم الوليد، وتغزل في الكيف من سيجارة دخان ونفس شيشة، فلما عاد عن بعض شذوذاته تلك أظهر شذوذاً آخر، ولكنه هذه المرة بنفس طائفي وإقليمي، فها هو يكتب المرة تلو المرة معرضاً باتهامات لا أصل لها إلا في مخيلته، بالدكتور محمد عبده يماني، والشاعر الوزير الدكتور عبدالعزيز محي الدين خوجة، وهو يحاول إقحامهما في جدل بينه وبين نفسه عن الصوفية وعن البصيري، شاعر البردة، ويطلق العنان للسانه وقلمه في شتم الجميع، وقد مضى الاول أعني الدكتور محمد عبده يماني- رحمه الله- إلى ربه راضياً مرضياً بإذن الله، وما عرف عنه إلا فعل الخير، وما عرف عنه قط أنه آذى أحداً من المسلمين بلسانه أو يده، وقد آذاه بن عقيل مرات، وأسهب في الكتابة عنه فيما لم يسمعه منه ولا عرفه به، ولكنه الهوى الذي تأمر به النفس الأمارة بالسوء، وقد رد عليه قبل وفاته ونشر في جريدة الجزيرة رده، وسأل الله أن ينصفه منه، حتى قبل وفاته بأيام قليلة في لقاء لي معه رحمه الله، وادعاء المحبة والصداقة بين ابن عقيل ومن يشكك في عقائدهم هو المستحيل - وان كان هو يصدق هذا فقد خانه ذكاؤه، ولعلي أقولها صريحة ان الدكتور محمد عبده يماني في غير حاجة لمحبة من هذا اللون، وله من الفضل عند الله والناس ما يرفع مكانته بإذن الله إلى عليين، وأما الشعر فليس ابن عقيل من نقاده، ولا تعرفه الساحة الأدبية بهذه الصفة، ولعلي أقول: إن صلته بالأدب مشكوك فيها، وليس هو من المبدعين فيه، فهو أحد النظامين الكبار، الذين ملأوا الدنيا ضجيجاً بما ينظمون، ولم يبق لما نظموا أثر، وفاقد الشيء لا يعطيه، ويقول لا فض فوه (تجرع يا ابن فراج من صديدك بالنتن المرير) وصدق ابن عقيل فالنتن لا يحسن صنعه كلاماً سواه، ومثلي انما ينهل بفضل الله من صافي أخلاق النبوة ما امتلأ به قلبي، وجرى على لساني، فلم أعرف مثل هذا اللون من الشتائم القذرة، ولست بحمد الله في حاجة إلى استخدامه، ولعل مثل هذا الذي جرى به قلم ابن عقيل يدل على ما عاناه من ألم لأننا قد نقدنا هذا الأسلوب المتدني بشتم من ينتقد أفكاره وذمه، وحتما هذا لا يخدمه، بل يكشف للناس عجزه، ولعله يظن ان كل ما صدر عنه صواب، وليس لنا في هذا المقام إلا الدعاء له أن يرده الله إلى الصواب، ويطهر لسانه مما حرم الله. ويقول هداه الله إلى الخير ان الهمز واللمز لا يكون إلا خفية، فكيف نسمي ما اعترف به: أنه لمز استاذه في المرحلة الابتدائية لمجرد انه قسا عليه ليتعلم، وليس هو الذي ينفي عن نفسه هذا اللمز والهمز، وهو غارق فيه إلى أذنيه، وهو دائما يلمزنا أهل هذا الاقليم بترديد حديث قد ملّه الناس عن الصوفية، وأنا شخصياً لم أكتب قط عن الصوفية لا مادحاً ولا ذاماً، ولكني دوماً أرى ان التعميم حين الحكم على الخلق بشيء فيه الاتهام لهم ظلم للجميع، والذين يدعون الصوفية فيهم من علماء الأمة الأخيار الكثيرون من أصحاب المذاهب الأربعة السنية، حتى ان أحدهم يعرف نفسه بموطنه ومذهبه والطريقة التي يتبعها، وهذا شائع بينهم، وهؤلاء ليسوا كلهم من الذين يدعي ابن عقيل انهم يتدروشون، أو يلمزهم بذكر بعض مصطلحات الصوفية.. من الحقيقة والشريعة، والكشف، والتجلي وغير ذلك، مما يردده عند كل حديث عنهم. ثم تنتابه موجة جديدة من الكبر والغرور فيقول: (لقد حلمت عليك فيما نشرته في الصحافة من ثرثرة ومهاترة وجهل، فهل أحلم عليك في الثانية) فتصور أن له الحق في ألا يكتب أحد إلا ما يعجبه، وإلا وقف له بالمرصاد، والثرثرة والمهاترة والجهل هي ألصق بمن لا يطهر لسانه من شتم الخلق وذمهم لمجرد غرور ركبه فاعتقد أنه الأعلم من الناس كلهم، وأدعى ألا قبول لما أكتب عند خلق الله، ولو أنه قال لا قبول له عنده لكان صادقاً، أما الحكم على الخلق كلهم، فذاك ليس إليه الحكم به، وأما حديثه الدائم عن لذعات يظن واهماً انها تؤلم الناس هو حديث خرافة، فلذعاته برد وسلام على المستهدفين بها، فهي تكشف عواره للناس فيزدادون بهم ثقة، وزعم أنه من عشاق الحقيقة ومن مبغضي التقليد مما أضحكني، فهو لا يعرف من الحقائق شيئاً وإلا لاكتشف أخطاءه المتراكمة، وهو المقلد الذي لم يخرج عن أسار التقليد حتى اليوم.. وما تقليده لابن حزم ومذهبه الظاهري إلا الدليل الأكبر على انه سيظل مقلداً حتى الممات، ومن غروره قوله (هكذا دربت مواهبي بقراءة العلوم الصعبة) ولم ير أحد أثر هذه العلوم الصعبة إلا إن قصد البحث عن الألفاظ المهملة والشاذ من الأساليب، فله أن يفخر بذلك، بل عجبه بنفسه يبلغ به الحد ألا يعجبه أحد ممن يؤلفون الكتب في عالمنا العربي والإسلامي كله، ويدعي انهم غيبوا الايمان، وهو من سيهديهم إلى الحق، وهو أولى الخلق أن يصغي إلى من يهديه إلى الحق، وهو لا يعلم ان هؤلاء المؤلفين لم يسمعوا به قط، وانه ليس من ينافسهم في ما يكتبون - وليته يشفق على نفسه من هذه الثرثرة التي يملأ بها الصفحات ثم تتراكم في المستودعات، لا تقرأ ولا يحبذ أحد أن يطلع عليها. ولعلي أول من يطالبه ألا يحلم عليّ، فهذا الذي كتبه عني كنت أتوقعه بل وأشرت إليه في مقالي عنه، ولا أخشى ذمه وهجاءه، فهو يكشف للناس خلقه، ويثبت لهم أن كل ما قلته عنه صحيح، فالشاعر يقول: وإذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني كامل والذي لا يشك فيه أحد ان ابن عقيل إمام الثرثارين، وليس أحد أحق في ساحتنا الثقافية بهذا الوصف منه، وهذه مقالاته في الصحف شاهد حي على ذلك، وهذه كتبه المملة تشهد لهذه الثرثرة التي لا تنتهي، فقراء الصحف يتجاوزون مقالاته لطولها ولفقدها وحدة الموضوع، فابن عقيل لا يدرك أن البلاغة في الإيجاز، وأن خير الكلام ما قلّ ودل، وأتمنى لو أخبرني ابن عقيل لم تأخر رده سنة وأشهرا على آخر مقال لي عنه، ومن أيقظه من سباته فأعلمه أني كتبت عنه، وغشه فقال له ان كتابتي عنه في الإنترنت، وأخبرني في أي موضع وجد اني أكتب عن القدر أو أخوض في أدق مسائل المعتقد على صفحات الصحف، فهذا ما لم أفعله ولن أفعله أبداً، ولا يهمني إن ملأ ابن عقيل الصحف بكلام في هذا المجال، ولا أظن أحداً سواه يقرأه، وليدعني أخبره بأنه من صنف من الناس إذا عجز أن يرد على من يظن أن بينه وبينه خلاف اخترع له أقوالاً، ثم أخذ يرد عليها، بعد ان ينسبها إليه. عصمني الله وإياك من قول الباطل ورزقنا اجتنابه وهدانا إلى الحق ورزقنا اتباعه إنه سميع مجيب.