حينما يدب الضعف في أمة من الأمم ، يظل يتعمق فيها حتى يشل حركتها كاملة أو يكاد ، وإنما يكون ضعف الأمة عاماً شاملاً حينما تنأى عن مبادئها الثابتة وقيمها الراسخة ، وتنشغل بما ليس لها به شأن من المبادىء والقيم الأخرى ، لأن هذا النأي يجعلها ضعيفة الحصانة ، فاقدة القدرة على تحديد الموقف ، خاضعة لما تتلقاه من الأفكار والثقافات ، والأخلاق التي يفرضها عليها من هو أقوى منها. إنه التشخيص الحقيقي للمرض هو الذي يساعد الطبيب على المعالجة النافعة للمريض. لقد فعل أعداء الأمة بها الأفاعيل في القرون المتأخرة ، استخربوا بلادها ، وأفكارها ، وتربيتها وتعليمها وإعلامها ، ونهبوا تحت مظلة أكذوبة (الاستعمار) ثرواتها وخيراتها ، واستولوا على معظم بلادها عسكرياً ، وتعاملوا مع الشعوب المحتلة بالحديد والنار ، وقتل المواهب ، ونشر الشعور بالضعف والوهن ، والدونية والعجز ، حتى أصبح (المستخرب) رمزاً للقوة والتقدم والفتوة في ذهن أجيال الأمة التي اختلت عندها الموازين. ومن أبرز جوانب الضعف عند أمتنا (الضعف القانوني) ، فقد وهنت عزيمتها عن الاستفادة من الجوانب الإيجابية في القانون الدولي ، فسكنت وسكتت على ما أصابها من البلاء ، والقتل ، والتدمير ، ولم تستطع في خضم ضعفها العام - أن تفعل هذا الجانب الدولي المهم. لقد ارتكبت دول الاحتلال الغربية (اسبانيا ، وهولندا ، وفرنسا ، وإيطاليا ، وبريطانيا ، وأمريكا ..) وغيرها من جرائم الإبادة الجماعية لمئات الآلاف من الشعوب المسلمة ما لا يكاد يخطر ببال أحد ، فكم من قتيل في بلاد المغرب العربي إبان (الاستخراب) الغربي ، وكم من قتيل في بلاد المشرق العربي إبان الاستخراب الغربي ، وكم من مال *** ، وإذلال وقع ، وتقسيم غاشم ظالم للبلاد جرى ، وتشريد للملايين حدث ، وهي أحداث ثابتة موثقة ، بالصوت والصورة غالباً ، ومع ذلك لم نجد الدول الإسلامية بعد أن انجلى عنها شيء من الغبار تلتفت إلى هذا الجانب المهم ، وتدعمه وتخطط له وتموله ، حتى ولو لم يحصلوا على حكم يدين الظالم في نهاية المطاف ، فإن فائدة ذلك في توعية العالم بما جرى ، وتخذيل الظالم عن مواصلة ظلمه وحسبك بها من فائدة. أثارت فرنسا ما ادعت أنه (إبادة) للأرمن ضد الحكومة التركية ، كما أثار اليهود في السياق ذاته من قبل وما زالوا يثيرون قضايا الابادة المزعومة ضد اليهود في العالم ، وفي ذلك ماض من الإثارة التي يجنون شيئاً من النفع ، ونحن في عالمنا الإسلامي عاجزون عن تفعيل مذابح واضحة مشهورة عالمياً في الجزائر ، وليبيا ، ومصر ، والشام وفي مقدمتها فلسطين ، وفي العراق ، وفي عدد من الدول الروسية ، وأفغانستان ، ومئات الآلاف من قتلى المسلمين الهنود وقت هجرتهم من الهند إلى باكستان لم تستطع جهة عربية إسلامية أن تقدم شيئاً يذكر في هذا المجال المهم ، حتى من تحمس من المحامين المسلمين في بعض الدول الغربية فرفع قضايا محددة ضد إبادة المسلمين في فلسطين ولبنان (صبرا وشاتيلا) والبوسنة والهرسك وكوسوفو والشيشان وكشمير ، حتى أولئك المتحمسون لم يجدوا دعماً مادياً أو معنوياً يمكنهم من مواصلة المسيرة. إنه نوع من أنواع الجهاد متروك مهجور ، وهو ممكن لا يحتاج إلى أسلحة ولا خوض معارك دامية في ميادين الحرب ، وإنما يحتاج إلى رجال متخصصين في القضاء الشرعي ، والقانون الدولي ، وإلى دعم مادي ومعنوي من الدول الإسلامية ، ولو أن منظمة المؤتمر الإسلامي أو جامعة الدول العربية ، أو غيرها من المنظمات قامت بهذا الدور لكان دوراً كبيراً. لقد وجه الرسول- صلى الله عليه وسلم- في غزوة الأحزاب نعيم بن مسعود بقوله (خذل عنا ما استطعت) فكان ذلك جهاداً له - رضي الله عنه -. إشارة: أيها القانونيون المسلمون: خذلوا عن أمتكم ما استطعتم ..