* في مدينة الورود الاسكندينافية يقطفون وردة بيضاء فواحة كل صباح ويهدونها لزائر المدينة .. ويدونون عليها (إذا أردت أن يكون صباحك جميلا فابدأ بمن تحب) .. ثم يضيفون (لهذا اخترناك أنت)!! والاسكندينافيون بقدر ما هم ماهرون في زراعة الورد بقدر ما هم ماهرون في استقطاب الزائرين إلى مدنهم لذا يقدمون له الورد ويعلنون له الحب ويؤكدون خصوصية الاختيار! * تأملوا العبارة معي مرة ثانية .. (إذا أردت أن يكون صباحك جميلا فأبدا بمن تحب). فكيف عندما يكون الصباح ليس ككل صباح ، إنه صباح أول يوم في العام الجديد!! هذا الصباح يمثل حالة (استثنائية) نقف عندها كثيرا وننطلق منها أكثر! * وأم الوقفات عندنا كمسلمين هي هجرة سيدنا وحبيبنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم. هذه الهجرة بكل ما تحمله من دروس وعبر يجب أن تكون هي وردة الصباح نقدمها لأطفالنا ، لكل أفراد الأسرة! علينا أن نشيع ثقافة (الهجرة المحمدية) في بيوتنا ، إنها مسؤوليتنا نحن ، فمن المعيب أن يفيق أبناؤنا في صباح أول يوم من العام الهجري الجديد وهم لا يفقهون أكثر من إزالة ورقة من التقويم أو التعامل مع المناسبة بلغة رقمية مجردة!! * هذه وقفة أولى ولن نبعد كثيرا عن إهداءات الوردة الاسكندينافية ونبدأ بمن نحب!! والحب وقفة أخرى .. فمن نحب؟ وما هو الحب الذي نريد؟! الفالنتانيون يقصرون الحب على (فردية المحب). فالقضية عندهم (هوى) لا أكثر! ومدينة الورود الاسكندينافية كانت أكثر انفتاحاً من (فالنتاين) وربعه .. فكل زائري المدينة يدخلون في دائرة الحب الذي يستحق الصباحات الجميلة!! * عندنا نحن الحب أنقى طهرا .. وأبعد اتساعاً وأكثر شمولية. ولهذا لا تنفك عنا كمسلمين تلك التفسيرات التي تربط ما بين (المعتقد والسلوك) باعتبارها الأنموذج المؤطر لكثير من الكليات في حياتنا. فالدين المعاملة والدين النظافة والدين الخلق والدين الرحمة والدين الحب .. كل المعاني الجميلة في الحياة البشرية يعنيها هذا الدين العظيم!! يا لروعة هذا الدين!! يربط ما بين الحقيقة الإيمانية وبين الحب! هذا الحب الذي نريد وهذا هو الحب الذي نأخذه ونمنحه!! * دائرة الحب عندنا تتسع للجميع ومعايير الحب هي مسؤولية دينية فلا يؤمن أحدنا حتى يكون حبُّ الخالق عز وجل ونبيه مقدمًا على حبنا لأنفسنا. ثم المساواة فيما نحب بين (الأنا) و (الآخر)!! وأي اختلال في درجات الحب يلامس شيئاً من صفاء روحنا ومعتقدنا!! * ولهذا فنحن عندما نقول (صباح الحب) في أول يوم من العام الجديد فإننا نعي ذلك حساً ومعنى!! * (صباح الحب) عندنا هو .. التلاقي ، الوصال ، الحميمية .. لا هجر ولا قطيعة! (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار)!! * (صباح الحب) عندنا أن نمنح نبض القلوب للآخرين وأن نساوي في الحب ليس فيما بينهم وحسب ولكن حتى مع أنفسنا (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)!! * (صباح الحب) عندنا يعني صفاء النفوس من أكدار الشحناء والبغضاء. (تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء ، فيقال انظروا هذين حتى يصطلحا) قالها ثلاثا. * وإذا كنا نعاني في زمن المرارة من كل هذه الخصومات والفرقة والشتات فإن باعثها الأول هو افتقادنا للحب! لو كان هناك حب لكنّا الأكثر قربا من الرب ومن نبيه ومن خلقه. ولو عشنا (حقيقة الحب الإيماني) لتداعينا إلى التآلف مع الآخر والتوادد واقتسام الحياة معه بنفس درجة (الذات)!! * ما يؤلم هو ما أسمعه من أمثلة. تخيّلوا رجل مسلم ينطق الشهادتين يقاطع أمه خمس سنوات .. بسبب حضرة الزوجة المحترمة والحماة الأكثر احتراماً!! تخيلوا خمس سنوات والقطيعة لمن؟ لمن حملته وهناً على وهن!! تمر أعياد ومناسبات وهو في غيه ، حتى أحد إخوانه مات فلم يره ، وقف عشر دقائق مع المشيعين على المقبرة ثم انصرف!! * آخر .. مع الأسف يدعي الالتزام قاطع أخاه شقيقه من الصلب والترائب لمدة 17 عاماً بسبب قطعة أرض ، هذا السيد عند كل مسجد وفي كل مجلس يدعو الناس إلى صلة الرحم. * وثالث .. إمام مسجد يخطب في كل جمعة يهتز المنبر حين يرتعش وعظاً وإرشاداً وأحيانا يتباكى. صاحبنا قاطع أباه منذ سنتين لم يره!! وحتى إن استجلبته أمه بالبكاء جاء إليها خلسة في غياب مَن ربّاه!! * ومهما كانت أسباب القطيعة فإن أسباب الصلة أقوى لمن يعيش الحب (كحالة إيمانية )!! (يا جماعة) هذان والدان وإذا قاطعناهما فمن بقي لنا بعد!! وبأي وجه نلقى الله!! ثم ألا نخجل أن نرسل دعوات الحب والخير إلى أصدقائنا عبر الجوال ونحن فى قطيعة مع أقرب الناس إلينا؟! * دعونا نستلهم هذه المناسبة العظيمة فنعيد صياغة الحب فى قلوبنا ، ونؤصله كمسؤولية إسلامية فى تعاملاتنا، حين نكون كذلك فسنتقارب ونتراحم ونطهر قلوبنا من الشحناء. فى ظل الحقيقة الإيمانية دعونا نتحول إلى (مجتمع من الحب) وهذا هو سر هذا الدين العظيم. دمتم أحبة ، وكل عام وأنتم والحب بخير.