يكون الخلاف في الفروع وليس في الأصول ، فالسلف متفقون -مثلًا- على أن الصلاة ركن من أركان الإسلام ، وأن من جحد وجوبها فهو كافر ؛ لكنهم مختلفون في صفة الصلاة وتفاصيلها ، وفي بعض شروطها ، وفي بعض واجباتها ، وفي حكم تاركها ؛ فلا يجوز أن تحوّل نقطة من هذه النقاط إلى محل وحدة، وأن الخلاف فيها يفضي إلى فرقة ، وتنازع ، وتحزب ، واتهام. جاءني سؤال من بعض الإخوة يقول: إن عندنا قومًا في بعض الدول الإسلامية -دول المغرب العربي- يقولون: إن من جادل في كفر تارك الصلاة فهو ليس من الفرقة الناجية ، وهذا الكلام ليس بصحيح لعدة أمور: أولًا: هذا القول لم يقل به أحد من السلف. ثانيًا: هذا القول يترتب عليه أن يكون الإمام مالك والشافعي وأبو حنيفة ليسوا من الفرقة الناجية ؛ لأنهم لا يقولون بكفر تارك الصلاة. ولذا فقد أُرَجِّح أن تارك الصلاة كافر ، أو أرجح كما رجَّح الإمام ابن تيمية أن التارك بالكلية الذي يترك ولا يصلي ليلًا ولا نهارًا ، ولا في رمضان ولا غيره ، ولا جمعة ولا جماعة ، ولا بالمناسبات بل هو مقاطع للصلاة مقاطعة تامة أن هذا يكون في عداد الكافرين ؛ للنصوص الواردة. ولكن تبقى المسألة من مسائل الفقه التي وقع فيها الخلاف بين السلف ، فكوني أرجح قولًا وأختاره ، هذا لا تثريب فيه ، لكن كوني أنقل اختياري وترجيحي وأدخله ضمن المحكمات التي لا تكون الوحدة ولا الاجتماع إلا عليها ، ومن خالف فيها أخرجته من الفرقة الناجية أو من السلف الصالح ، فهذا غلط ظاهر ، وفيه مصادرة لاجتهادات ربما كانت أصوب من غيرها. وكذلك نجد أن السلف متفقون على ربانية القرآن الكريم ، وأنه من عند الله -سبحانه وتعالى- وأنه منزل غير مخلوق ، ومتفقون على مرجعية القرآن ، ولكنهم قد يختلفون في تفسير آية من القرآن الكريم ، هل الآية محكمة أو منسوخة ؟ وقد يختلفون في بعض الحروف والقراءات الواردة في القرآن الكريم. وكذلك هم متفقون على مرجعية السنة النبوية (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [الحشر:7] ولكنهم قد يختلفون في تصحيح حديث أو تضعيفه ، أو الجمع بين الأحاديث التي ظاهرها التعارض ، ويختلفون في فهم بعض النصوص ؛ ولهذا جرى الخُلْف بينهم -رضي الله عنهم- ، حتى في بعض الأشياء الظاهرة التي قد يستغرب البعض كيف اختلفوا فيها ؟! فقد اختلفوا في الأذان ، وهو يُردَّد كل يوم وليلة خمس مرات منذ عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ، ومع ذلك اختلف النقل في صفة الأذان ، وفي صفة الإقامة ، وفي القنوت ، وفي الجهر بالبسملة ، وفي مواقيت الصلاة ، وفي حروف القراءات ، وفي أنواع التشهد ، وفي صفة الحج وغيرها من أحكام الأنساك ، وفي مقادير الزكاة ، والأموال الزكوية وغير الزكوية. واختلفوا من ذلك في شيء عظيم ، كما هو معروف في مظانّه من كتب الفقه. ووجود هذا الاختلاف لا يعني أن الإنسان ينتقي حسب ما يشتهي ، بل يدع هذا لطلبة العلم الذين يرجحون وفق ضوابط وقواعد مقررة معتبرة.