ما أشد طيش الإنسان إذا لم يكن له من الله هدى ، أو من نفسه ضابط ، أو من عقله دليل. وهذا رجل جاوز الستين من عمره اسمه روبرت هيدريك يرأس شركة نقل شحن جوي يتم القبض عليه الشهر الماضي في منزله بولاية تكساس بتهمة إرسال مواد إباحية للأطفال. عملية القبض تمّت بعد ترصد وتعقب من رجال المباحث الذين تخفّى أحدهم تحت شخصية طفلة قاصر ، فظل هذا الضال (يراسلها) بمضامين مواد إباحية ليمارس الجنس معها. وفي جدة تجري محاكمة أفراد أساؤوا استغلال السلطة أشد استغلال ، فزورّوا صكوكاً لقطع أراضي ، واعتمدوا مخططات في ليلة 29 من رمضان قديم ، كي يثروا بسرعة وينالوا المجد من كل طرف بسرعة. وآخرون يبدون أمام الناس عقلاء حكماء ، حتى إذا اختلوا بالحرمات فعلوا (الأعاجيب) ، فمنهم من يسعى لجنس رخيص ، ومنهم من يسارع إلى ابتلاع مال كثير هو في نهاية المطاف متاع قليل ، لأن الدنيا كلها متاع قليل مهما بدا كثيرًا وجميلًا ومغريًا. هكذا هي النفس نادرًا ما تأمر بخير ، إذا جُبلت على الأمر بالسوء إلا من قاومها وجاهدها وكبح جماحها ، فكفته شرها ، وهي لن تفعل ، بل ستعاود الكرَّة بعد الكرَّة مستعينة بإبليس وجنده ، ومغريات الدنيا وفتنتها ، وقوة النفوذ والجاه ، والأمن من العقوبة والاغترار بالباطل والركون إلى قريب أو صديق أو صاحب نفوذ. وأسوأ هؤلاء من تخفى وراء لباس الدين. ولربما خطب ووعظ حتى يظنه الناس راهب ناسك ، أو دعا فبكى حتى يحسبه الناس أبعد ما يكون عن الاقتتال على الدنيا وزينتها. هذا الصنف من الناس هو النموذج الأسوأ الذي يصد عن سبيل الله من حيث يدري ولا يدري. ولذلك تُعد تزكية النفس مشوار طويل ، وعمل شاق ، وجهد متواصل كبير يرقى به الإنسان بقدر ما يبذل في هذا الميدان التعبوي والحربي الشاق. إنها ليست معركة وتنتهي ، بل هي حرب دائمة لا تقبل نتائجها القسمة على اثنين ، وإنما لا بد من خسارة أحد الطرفين ، فهي إما نهاية سعيدة أو شقاء دائم. اللهم قنا شر أنفسنا.