ربما يغفل الكثيرون حجم الضغوطات التي تتعرض لها المملكة العربية السعودية في سبيل الابتعاد عن تطبيق شعائر الإسلام وقواعده ، فالعديد من المنظمات والأصوات المشبوهة كانت ولا تزال تنتقد توجه المملكة في هذا الأمر وتصفها بالجمود وعدم قدرتها على مواكبة المجتمعات المتمدنة ، وكأن الإسلام هو حجر عقبة في طريق أي بادرة تطور تطرأ على العالم ، ونحمد الله على أن المملكة وضعت كتاب الله تعالى وسنة نبيه نبراساً تسير على خطاه رغم كل الاتهامات الباطلة. إحدى أكثر الأمور التي كانت ولا تزال وستبقى مثار جدل تتمثل في مسألة قيادة المرأة للسيارة ، فقد طالبت بعض المنظمات المملكة بعدم معاملة المرأة كإنسانة من الدرجة الثانية والسماح لها بقيادة السيارة. وكأن احترام المرأة أو امتهانها لا يكون إلا بجلوسها خلف مقعد القيادة من عدمه ، وكأن المرأة في المملكة محرومة من جميع حقوقها وقيادتها للسيارة هو الحل المنصف الوحيد لها. وعلى الرغم من الجدل الدائر بين التيارات الفكرية في المملكة حول هذه المسألة إلا أن تلك المشكلة امتدت لتلقى صدى دولياً بات يتهم المجتمع السعودي بالتخلف بسبب موضوع مهما طال الجدل فيه يبقى ثانويا ويميل كثيراً إلى السطحية. لن أتطرق لرأي الدين في المسألة احتراما مني للفقه الإسلامي ولرجالة باعتباره علما واسعا ولست أهلا للحديث فيه ولكني سأتكلم بوجهة نظر قانونية بحتة ، فمسألة قيادة السيارة وغيرها من المسائل التي لا تخالف من حيث المبدأ كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم تدخل ضمن دائرة العرف ، والعرف هو السلوك المتواتر بين الأفراد والذين درجوا على العمل به مع الاعتقاد التام بإلزاميته ، المصيبة الكبرى بأن بعض من يعشق الفلسفة وخلق الفتن في المجتمع ينظر باحتقار شديد لمصطلح العرف حينما يدور الحديث عن أي ظاهرة في المجتمع رغم أن العرف قانون وليس كلمة تدل على ضعف الحجة ومحاولة التنصل من الرأي والرأي الآخر ، ويكفي أن نعلم بأن قانون حظر الحجاب في فرنسا بني على قاعدة مطابقة لعرفهم وأن الكثير من المعاهدات المبرمة بين الدول تضع العرف في أعلى مرتبة ممكنة في صياغة المعاهدات إذا نحن هنا نتكلم عن قاعدة ملزمة لا يجوز مخالفتها إلا بنص أو قاعدة أقوى منها. ولكن إن افترضنا جدلا بأن المرأة السعودية استطاعت الوصول لأقصى أهدافها وهي الجلوس خلف مقعد القيادة فهل ستصبح المرأة على قمة هرم الرفاهية بين نساء العالم؟؟ وهل ستصبح المملكة دولة مدنية ومتطورة لمجرد أنها سمحت للمرأة بدخول عالم السرعة. لا شك أن موضوعاً في قمة السطحية كهذا لن يحرك قيد أنملة في مكانة المملكة العربية السعودية في العالم الإسلامي وفي المجتمع الدولي ومن الأفضل للمرأة الراغبة في إصدار رخصة قيادة ومناصريها أن يبحثوا عن حلول تمكنهم من تغيير العرف الرافض لفكرة قيادة المرأة عوضا عن التنقل بين القنوات الفضائية والبكاء على مشكلة هي في الأساس ليست مشكلة.