الأمل هو الذي يغفل عنه أكثر الناس ، ولا يرددونه إلا كلمة مجردة من المعاني خالية من الظلال جافة من الندى ، لأنه كلمة تسرّ بها النفس وتسكن إليها الروح. الأمل المجرد وهم من الأوهام ، ولا يقضي على الناس شيء مثل الأوهام ، لأنها كالمخدرات تأخذ صاحبها إلى أفق بعيد وتنقله إلى عالم آخر وهو ساكن في مكانه لا يبارحه أبداً ، فإذا أفاق من سلطانها صدمه واقع يجده محيطاً به فيرجع إلى جرعة يجد فيها ملاذاً من واقع صادم أليم. الأمل الواقعي أو العملي هو الذي تبنيه التجربة ويختبره الواقع وتصونه المراجعة المستمرة وتؤيده النتائج التي يراها الناس ويلمسونها ويستخدمونها وينعمون بها. العاملون في المصانع والمعامل ، والطلاب في المدارس والجامعات ، والمزارعون في الحقول ، والأطباء في المستشفيات وغيرهم ممن تعلو بهم الحياة في عالم البناء ، إنما يبذلون ما يبذلون لأن هناك أملاً يحفزهم ونتائج يتوقون إليها واعترافاً بهم وبإنجازهم من الناس كلهم ، وشعوراً بأن أمامهم مستقبلاً يستوعب ما تكنه صدورهم من رغبات وما تختزنه عقولهم من قدرات. قد يكون هناك متربصون بهم، وحاسدون لهم ، وناقمون عليهم ، وهذه من طبيعة البشر التي لا تتم بشريتهم إلا بها ، لكنها في الوقت نفسه تحديات وليست عوائق إلا لأصحاب الهمم القاصرة والعزائم الفاترة ، أما الذين عقدوا على العمل أمورهم ، فربما يسعدهم أن يروا أو يسمعوا انتقاداً لأنه حافز على الإتقان. ألم يقل عمر رضي الله عنه (رحم الله امرأً أهدى إلينا عيوبنا) ؟ لأن الباحث عن نفسه لا يريد إلا هي ولا يريد غيرها لذا لا يحب أي انتقاد أو الإشارة إلى أي عيب ، أما الباحث عن غيره وسعادة الآخرين فلا يهمه في شيء أن يقال عنه ما يقال ، لأنه يحرص على الإتقان والإبداع والتحسين المستمر. من هنا تجد أن بعض العاملين شركات وأفراداً يهاجمون من ينتقدهم بل ويؤذونه لو استطاعوا ، وتجد آخرين يطلبون انتقاداً أو التنبيه إلى نقص في الأداء ، فيقيمون إدارات تهدف إلى البحث عن النقص والسلبيات حتى يمكن الإصلاح والتقويم على هديها ، ولذا قال الشاعر: ولم أر في عيوب الناس عيباً كنقص القادرين عن التمام.