الحوارات الفكرية دائماً ما تكون السمة البارزة التي تميز الطبقات المثقفة في المجتمع , فتعدد الخلفيات والمرئيات التي يرى بها الأفراد الأمور التي تدور داخل كل مجتمع تعكس التوجه الفكري للطبقة المثقفة ونظرتها لمجريات الأمور , فهناك من ينظر للوقائع التي تجد في المجتمع بنظرة مادية بحته , بعيد عن قيود الدين والأعراف والتقاليد وما درج عليه الناس , بل قد يمتد به الأمر إلى حد القول بأن كل تلك القيود هي في مجملها عقبات تعترض حرية الفكر , وأصحاب تلك المبادئ هم ما يسمون بالليبراليين أو التنويريين كما يطلقون على أنفسهم . وعلى النقيض تماماً نجد بأن هناك فئة أخرى في المجتمع تنظر للوقائع بشيء من العقلانية والوضوح ووفق منهج عاهدوا الله عليه منذ أكثر من ألف سنة , منهج يطلق العنان لحرية الفكر ولكنه يضع الدين أمامه كمعيار للتفرقة بين كل ما هو مقبول وكل ما هو مرفوض , فهم أصحاب مبدأ لا يحارب التطور ولكنه يرفض ما يخالف أوامر الله ورسوله , وأصحاب ذلك الفكر هم التيار الإسلامي والذين يشكلون الأغلبية في المجتمع السعودي . وباعتبار أن كل فئة من هاتين الفئتين تختلف تماماً في الايدولوجية وفي المبادئ فقد نشأت الكثير من الصدامات بين أنصار كل منهج فكري , تلك المشاحنات أدت إلى وصول الحوار إلى نقطة بات فيها كل ليبرالي منكر لكل ما هو في الطرف الآخر , وأصبح أصحاب الفكر الآخر كارهين لكل ما يتعلق بالليبرالية من قريب أو بعيد . احدهم قال بأنه لا توجد أصلاً ليبرالية في المملكة , وأن جميع أتباع هذا الفكر ليسوا سوى مقلدين لما جاء به الغرب وجاحدين للفكر الإسلامي على الرغم من أن احترام آراء الغير واحد من أهم مبادئ الليبرالية وهو رأي اتفق تماماً مع قائله بل وأضيف عليه بأنني عندما حاورت عدداً من أتباع الليبرالية في المملكة اكتشفت أنهم لا يعلمون كيف نشأت وكيف أسست وما هي المبادئ الأساسية التي قامت عليها , مما جعلني أتيقن بأن الليبرالية في بلادنا ليست سوى صرعة من صرعات الموضة , تماماً مثل الملابس التي تصبح في يوم وليلة رمزاً من رموز الأناقة رغم أنها منبوذة لدى أي إنسان صاحب فطرة سليمة . وهناك آراء لبعضهم قد تسببت في نفور أصحاب الفكر الليبرالي عنهم إلا أنها لم تساهم في تقريبهم من أصحاب الفكر الآخر . ولكن لماذا لا نحاول استقطاب قلوب أمثال هؤلاء ودعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة كما امرنا كتابنا الكريم , الم يخبرنا القرآن بان نجادل من نختلف معهم بالتي هي أحسن . أتمنى من أنصار الفكر الإسلامي أن يجمعوا بين اللين في التعامل والقوة في الحجة , فنحن نمتلك منهجا نستطيع من خلاله إفحام أي فكر طرأ أو سيطرأ في المستقبل ومن يدري فقد نكون سبباً في استمالة قلوب هؤلاء إلى منهج الوسطية الذي دعانا له الإسلام . والله من وراء القصد .