نشرت الشرق الأوسط (13 مارس) ملخص دراسة أجراها مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني عن أثر المحسوبية على كفاءة العمل . الدراسة تبدو وافية شافية غطت شرائح مختلفة ومناصب وظيفية متدرجة، كما شملت كذلك القطاعين العام والخاص . ومن أهم النتائج التي ذكرها المستطلعة آراؤهم هي أن أنظمة العمل في المملكة العربية السعودية تعاني من شدة التأثير السلبي للمحسوبية والوساطة على كفاءة وجودة أعمالها ، وتزداد هذه الرؤية رسوخًا مع ارتفاع مستوى التعليم أو المستوى الوظيفي أو الخبرة . لست متأكدًا إن كان إثبات هذه الحقائق يتطلب دراسة ميدانية شاملة ، لكني أحسبها خطوة جيدة للإثبات بالدليل القاطع ما هو مثبت باليقين الراسخ ، وكي لا (يتفلسف) البعض فيؤكد أن (كله تمام يا فندم) ، وأن الجميع يراقب الله في السر والعلن ، وأن لا محاباة لدينا إلى آخر المنظومة المملة إياها . وحيث ثبتت ظاهرة المحسوبية والوساطة ، فلا بد من تصنيفها تحت يافطة عريضة حتى يمكن النظر في كيفية الحد منها ، فالقضاء عليها مستحيل في دنيا البشر خاصة إذا غابت وسائل المحاسبة والمساءلة . شخصيًا لا أرى يافطة أكثر مناسبة من (الفساد) ، فهي فساد أخلاقي وتنظيمي وإداري ، وآثارها تتجاوز آثار الفساد المالي أحيانًا لأنها تترك في نفوس المتضررين ندوبًا غائرة وجروحًا عميقة لا يطويها الزمان بسهولة ، بل ربما زينت للمتضررين الانتقام يومًا ما من ذلك الذي حرمه أو ظلمه ، أو في أحيان أخرى ممارسة السلوك الرذيل نفسه حين يصبح آمرًا ناهيًا في قطاع أو إدارة أو مصلحة . وفساد الذمم حالة عامة لا تقتصر على الرشاوى أو الاختلاسات المالية ، وإنما تشمل الرشاوى الوظيفية كذلك ، ذلك أن مرتكبها ينتظر مقابلًا حين تحين الفرصة المواتية بما هو موازٍ من المال أو التوظيف أو الترقية . كله فساد في فساد ، والضحية الوطن والمواطن ، وأعراضه الشعور بالإحباط والسلبية وبغض المجتمع أحيانًا لأنه لم يتدخل لإنصافه في الوقت المناسب وعلى النحو المناسب . الدولة والمجتمع اليوم خوّلا الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد النظر في هذه التجاوزات والتحقيق فيها ، فإنها من أخطر أنواع الفساد وأشده وقعًا على الضحايا من الأبرياء الغافلين .