عندما تتوافد الجموع ، وتندفع نحو الساحات ، والشوارع ، وأماكن الفرح ابتهاجاً بعودة الملك الإصلاحي عبدالله بن عبدالعزيز ، وتمارس تألقها في التعبير الوجداني فإن الحالة عفوية بشكل واضح وصريح ، ليس فيها زيف ، ولا أقنعة ، ولا خوف ، وليست مغلفة بالرعب ، واتقاء الوشايات ، والأعين ، والرصد من المخبرين . إنها ممارسة ذاتية تكرسها القناعات ، والولاءات ، والصدق الذي هو قيمة عند إنسان هذه الصحراء في تعاملاته ، ومواقفه ، وأساليب تعبيره . في بعض دول الوطن العربي الكبير تجيّش المخابرات كوادرها الكثيرة في أعدادها ، وتستنفر كل منتسبيها ، والمنتمين إلى أجهزتها ، لتسوق الناس من منازلهم ، ومتاجرهم ، ومدارسهم ، ومقرات أعمالهم ، وجامعاتهم إلى الساحات العامة ، وفضاءات المدن الجغرافية ، وتدفع بهم بطشاً ، وتخويفاً ، وترويعاً يحملون الصور ، واليافطات ، والعبارات البليدة مرددين الشعار الغبي الجاهل " بالروح .. بالدم .. نفديك .. " مع أن لا أحد يمكن أن يفتدي أحداً بروحه ، ودمه ، مهما كانت العلاقة ، ومهما كانت درجات الحب ، لاسيما إذا كان هذا الشعار المتهالك ينطلق من حنجرة في داخلها أطنان من الملح ، مرهقة صاحبها بالسعي اللاهث المضني والمدمي وراء توفير الخبز لأطفاله ، والأفواه المفتوحة داخل البيوت التي تفتقر إلى أدنى حد من الصحة العامة ، والبيئة الملائمة . مسكونة بالخوف ، والرعب من مصير الأقبية ، والسجون ، والمعتقلات إن رصدها أحد وهي في انشغال عن المناسبة ، والحماس للزعيم ، وسلامة الزعيم ، والفرح بمناسبة الزعيم / الصنم ، حتى لو كانت المناسبة عائلية محدودة كمولودٍ هو مشروع وارث للكرسي ، وكارثة قدرية على المواطن تضاف إلى كوارثه اليومية . وفي بعض دول الوطن العربي تُستنفرالمخابرات لتكليف التجار ، وأصحاب المنشآت التجارية بطباعة مئات الآلاف من صور الزعيم / الصنم ، وإنتاج الآلاف من اليافطات ، وإقامة " الزينة " وكتابة العبارات ، والشعارات الغبية التي تخرج معدّة بصياغات ركيكة من مكاتب الظلام ، والويل .. كل الويل لمن يتأخر في التنفيذ ، أو لا يظهر حماساً لهذا المشهد التراجيدي الذي يُمعن في سحق الإنسان ، وامتهان كرامته ، ومصادرة قراره وحريته في الرأي ، والرفض ، والقبول ، وممارسة المشاعر ، والعواطف ، والقناعات . هنا .. الأمر يختلف تماماً .. تماماً . النظام السياسي لم يفرض على الناس عبر دبابة احتلت مبنى الإذاعة والتلفزيون ، ولم تبرز القيادة من خلال البلاغ رقم واحد . بل اختار الناس قياداتهم، ونظامهم السياسي عبرعلاقة انتماء حقيقي ومبهرللجغرافيا ، والتاريخ ، والإرث الحضاري والقومي . ومن خلال رؤية وحدوية هي الأنجح والأروع في التاريخ العربي المعاصر . لهذا فإن التعبير عن الفرح ، وإنتاجه صورة ملموسة ، وحقيقة معاشة ، يأتي من منطلق حب ، وتوحّد في الأهداف، والغايات ، والطموحات ، بين القيادة والشعب ، ومن منطلق سلوك تاريخي لعلاقة تؤطرها القيم ، والأخلاقيات التعاملية المتوارثة . الملك الإصلاحي عبدالله بن عبدالعزيز حين يخرج الناس بكل شرائحهم ، وأطيافهم ، وأعمارهم للاحتفاء بعودته ، والفرحة بشفائه ، فذلك لأنه واحد منهم ، وقريب إلى قلوبهم كأب ، وأخ ، وصديق لكل واحد من هذا الطيف الرائع . عبدالله بن عبدالعزيز ، خذ منا الفرح ، والحب غير المزيفين .[ ------------------------ صحيفة (الرياض)