شابا .. أردد تلك الكلمات .. تحث وتحفز الهمّة .. وتصقل النفس .. إلى التطلع .. إلى المستقبل .. إلى المجد .. هكذا كنّا نمنّي النفس .. كبقية شباب العالم .. الشباب العربي .. كان .. ومازال .. وسيظل .. يملك التطلعات .. ويملك رصيدا حضاريا يسنده .. يناديه بقوة .. ليعيده إلى قمة رأس الحياة الكريمة. الشباب العربي يحمل تطلعات عالية المقام .. يحمل رسالة .. تعطيه حق تقبل الجميع .. يحمل تجربة حضارية .. تؤهله لبناء أخرى .. الفاجعة .. أن هناك أجيالا .. عندما وصلت .. استبدت .. هيمنت.. سيطرت .. حجبت نور الشمس عن الشباب .. لا تسمح في مشهد الحياة .. إلا بصورها وصور أبنائها.. ومن يحابون .. عكروا صفو تطلعات الشباب. جيل .. عندما وصل .. أقنع نفسه بأنه ومن حوله الأفضل .. طمس تطلعات الشباب .. فرض ما يراه .. المناصب لهم أولا .. الوظائف لهم أولا .. المال لهم أولا وأخيرا .. يتشدقون بنجاح يزيد تسلطهم.. اعتقدوا بوصولهم إلى مكانة .. يجب على الجميع احترامها .. تناسوا أن الله واهب الحياة والمطر .. كيف وصلوا إلى هذه المرحلة من الغرور والقناعة الزائفة؟! بهم تراجعت الشعوب العربية عشرات السنين.. وفي وضع مهين. تغيرت المفاهيم.. تغيرت الوسائل.. بقيت بيننا عقول .. تسيء حتى للزمن .. يعتقدون أنهم ثروة .. يتهمون الشباب بالسطحية .. وقلّة المسؤولية .. وانعدام الثقافة .. يتهمونه بالكسل والتقاعس .. ينعتونه بقلّة التربية .. جردوه من مقومات الرجولة والثقة .. حتى الغد المنتظر .. يجب أن يكون لأبناء هؤلاء المتنفذين .. لأن شباب الأمة متهالك.. هل جعلوه كذلك؟! عقول بهذا الشكل والطراز .. تشكل كومة مضرة .. يجب التخلص منها. أصبح الزمن سريع الإيقاع .. والمتغيرات .. أصبح هناك ثقافات جديدة .. ووسائل جديدة .. تجعل من الشباب قوة وإمكانيات .. الذين نصبوا أنفسهم أوصياء على الشباب .. وعلى طريقة تفكيره وثقافته .. وعيشه وتصرفاته ومستقبله .. هم أقرب إلى التخلف .. عقول يجب أن تعي بعدها عن جادة الطريق .. هل تنتظر صفعة قوية من الشباب؟! أصبح الشباب محاربا في سوق العمل والأسواق والشوارع .. بحجج كثيرة .. محارب على الشواطئ .. محارب في المتنزهات والمقاهي .. محارب حتى في مزاجه وطريقة لبسه وتصرفاته . هناك من يفكر عن الشباب .. ويتخذ القرار عن الشباب .. ويجزم بمعرفة مصلحته .. ومعرفة ما يضره وما ينفعه .. أليس هذا نوعا من الأمراض الخطيرة؟! معتوه ومعاق من يفكر بهذه الطريقة. عندما كنت عميدا لشؤون الطلاب.. في جامعة الملك فيصل .. أعطيت الشباب مساحة واسعة من الخيارات.. لإثبات قدراتهم .. والتعبير عن إمكانياتهم وإبداعاتهم .. وحاربت لتحقيق ذلك .. واجهت عقولا متكلّسة .. متغطرسة في إعجابها بذاتها .. حتى الإنارة في الملاعب الرياضية .. طلبوا عدم استخدامها ليلا .. بحجة توفير الكهرباء. شجعت الطلاب على استثمار وقت فراغهم في ممارسة جميع أنواع النشاط .. كيف ننمي الولاء والانتماء؟! ما الوسائل لتحقيق ذلك؟! الشباب أذكى مما يتصوره البعض .. أعطيت الشباب بدون حدود .. رفعت شعار : (الشباب على حق حتى وإن كان مخطئا).. النتيجة، نعتوا كاتبكم بالمتعب. متى يشعر الشباب بقيمته وأهميته؟! تعجبهم المثالية .. ورؤية المسئول القدوة .. وحقيقة الفرص المتاحة للجميع .. تجاهل رأي الشباب وإمكانياتهم وهواياتهم .. وتجاهل تطلعاتهم وإبداعاتهم .. والحكم عليها بالسطحية .. جزء من مرض الكبار .. تحجروا في زوايا .. لا يرون إلا ما يعتقدون .. أذكر سؤال أحد الصحفيين .. عن سبب سوء ثقافة الشباب .. تعجبت .. كيف استطاع الحكم على ثقافة الشباب؟! أيضا اسمع هذا في وسائلنا الإعلامية .. في مقابلات تلفزيونية وصحفية .. لمن ندعوهم برجال الثقافة .. والنخب المثقفة. ثقافة هؤلاء لا تتعدى التاريخ .. أصبحوا في مقبرته .. مهمة هؤلاء المثقفين زيارة هذه المقابر التاريخية .. والعودة إلينا بشيء يرونه مهما .. يسعون لفرضه على الشباب .. نسي هؤلاء .. أن هناك ثقافات حية جديدة يملكها الشباب .. ويجيدون السباحة في بحرها .. مقارنة شباب اليوم برجال الثقافة هؤلاء .. كمن يقارن بين الجهل والعلم .. الشباب يملكون ثقافة العلم الحي .. النخب المثقفة تمثل ثقافة .. ميتة .. محنطة .. ليس لها دور في مستقبل الشباب. حتى أقسام علم الاجتماع تم وأدها في الجامعات .. لأسباب واهية .. مثل أسباب طلب قفل إنارة الملاعب ليلا لتوفير الكهرباء والأموال .. أقسام علم الاجتماع .. لا تقل أهمية عن أقسام كليات الطب والهندسة والصيدلة والعلوم الأخرى .. أدعو إلى إعادة فتحها .. وأن يختار طلبتها بعناية .. وان يكون القبول بشروط عالية المعايير .. ليتوقف دور هذه الأقسام على إيجاد كوادر متميزة .. مهمتها إجراء الدراسات والبحوث الاجتماعية العلمية .. لرصد المتغيرات بين الأجيال .. ورصد مشاكل الشباب وحلها قبل استفحالها.