بهذا أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم ، وبهذا ينطق واقع البشر في هذا العصر ، فالفتن الكبرى تتوالى ، والأحداث يمسك بعضها برقاب بعض ، والمصائب تنزل على الناس من كل ناحية ، إنه عصر الفتن التي يرقق بعضها بعضاً ، فإذا رأى الناس فتنة استعظموها ووقفوا أمامها حائرين ، ثم لم يلبثوا إلا عشيّة أو ضحاها حتى تعقبها فتنة أكبر منها وأعظم ، فينسى الناس الفتنة السابقة بما رأوه من اللاحقة ، وهكذا دواليك ، تتناثر خرزات العقد والناس حائرون مبهورون. وماذا بعد؟ غفلة تزداد سيطرةً على معظم البشر المستغرقين في لهوهم ومجونهم ، وتكالبهم على دنياهم ، وكأن ما يجري فيهم وحولهم من المصائب والفتن لا تعنيهم ، وكأنهم قد جمدوا مشاعرهم فما عادوا يشعرون بما يحل بساحاتهم من الفتن الهوجاء. إنه الاستسلام البشري للبعد عن منهج الله ، والانسياق وراء هذا البريق الحارق الذي يعمي الأبصار والبصائر ، ويدعو البشر إلى الإيغال في دروب الأهواء وسراديب العصيان ويصم آذانهم عن زواجر القرآن ، ومواعظ الزمان ، ويزيدهم غفلة على غفلة ، ووهماً على وهم ، وضلالاً على ضلال. فتن يرقق بعضها بعضاً ، وأرض تكاد تتفطّر وتتفجّر مما يجري عليها من هرجٍ ومرج ، وقتلٍ ، واعتداءٍ على حريات البشر باسم تحقيق الحريات ، وانتهاك لحقوق البشر باسم رعاية الحقوق ، وتأخيرٍ لمسيرة البشر إلى الحق والخير باسم التحديث والتطوير. هذا هو عالم اليوم -إذا أردنا الإنصاف- وهذه هي حقيقته إذا أردنا به وبأنفسنا خيراً ، وصدقنا العزم على تشخيص الداء ، لوصف ما يناسبه من الدواء. قد يسأل سائل: وماذا يعنينا نحن المسلمين من أمر تلك الفتن الهوجاء ، ما دام العالم الغربي هو الذي صنعها وساق البشرية إليها؟! إن الجواب واضح في ذهن كل مسلمٍ ومسلمة يعرفان حق الله عليهما ، ويفهمان معنى عظمة الدين الحق الذي من الله عليهما به ، وأنار بنوره بصائر من اعتنقه ، وآمن بما جاء به من الحق. يعنينا أمر ديننا وبلادنا وأنفسنا ، ويعنينا ألا ننساق وراء الآخرين ، وألا ننخدع بباطلهم عما لدينا من الحق المبين.