الوفاء من أنبل وأجمل الصفات التي يتحلى بها الإنسان، وتقوم عليها العلاقات الاجتماعية الراسخة، وتتحقق بها السعادة للبشر. لحظة وفاء صادق تستطيع أن تصنع من السعادة والحب والتقدير ما لا تستطيع أن تصنعه سنوات من علاقات المجاملة المتكلَّفة. وإذا توجه الوفاء للوالدين كان أجلَّ وأعظمَ أثراً في النفوس؛ لأنه وفاء لمَن لا يستطيع الإنسان أن يكافئهما على فضلهما الكبير - بعد الله - بغير الوفاء، وهي مكافأة ناقصة إذا قيست بما يقدمان لأولادهما من الحب والعطف والرعاية التي لا تنقطع إلا بموتهما. وحينما يكون الوفاء للوالدة فإنه يكون أجلَّ وأعظمَ وأدلَّ على قيمة الإنسان، وسموِّ نفسه، وعظمة شخصيته، وكيف لا يكون كذلك والأم هي (الأمُّ) حباً وعطفاً وحناناً وبذلاً لكل ما تملك في سبيل راحة أولادها؟! وصلتني رسالة جوَّالية من أخي العزيز (عبدالعزيز قاسم) تشير إلى مقالة كتبها عن علاقة أخي العزيز (حمد القاضي) بوالدته - رحمها الله - وتلتْها رسالة جوَّالية من أخي حمد القاضي يشكرني فيها على لقاء صحفي سريع أجرته معي جريدة عكاظ في عددها الأسبوعي الصادر يوم الجمعة 20-7-1431ه، ويخبرني فيه عن مقال أبي أسامة (عبدالعزيز قاسم)، ويطلب مني قراءته؛ لأنه عن الأمِّ، وهو يعرف علاقتي بأمي - رحمها الله تعالى -، ويعلم أنني سأُسَرُّ بما أقرأ في هذا المجال، ثم أرسل إليَّ (أبو بدر) المقال على الهاتف المصوَّر مسهّلاً عليَّ الحصول عليه وقراءته. كان أخونا الإعلامي المحترف (أبو أسامة) يعلِّق على كتاب الأستاذ الأديب حمد القاضي بعنوان (غاب تحت الثرى أحباء قلبي)، وهو كتاب ضم الحديث عن مشاعر وذكريات الكاتب مع سبعين شخصية من أقاربه وأصدقائه وزملائه رحلوا عن هذه الدنيا إلى الدار الآخرة، ووجد الأستاذ (عبدالعزيز) فرصة أن يشير إلى علاقة حمد القاضي بوالدته التي رحلت عن الدنيا وهو في السادسة من عمره؛ فكان رحيلاً مبكراً ترك أثره في وجدان الطفل الذي أصبح فيما بعد كاتباً صحفياً بارزاً وأديباً مثقفاً تسكب جداوله أصفى الكلمات وأعذبها. لقد تضمَّن المقال صوراً بديعةً من الوفاء، وفاء حمد القاضي لأمه، وذكراها، ولخالاته من بعدها وهنُّ استمرار لأمه؛ فإن الخالة بمنزلة الوالدة، والخال بمنزلة الوالد، ولأصدقائه وزملائه الذين عاش معهم سنوات من العمر قبل أن يفرق الموت بينه وبينهم، ووفاء عبدالعزيز قاسم للأديب الكاتب الذي نهل - أيام صباه - من جداوله الأدبية، ومن مادة الأدب الثَّرّة التي كانت تقدمها المجلة العربية على مدى سنوات طوالٍ تحت رئاسة (أبي بدر) لتحريرها، ووفاؤها لأستاذه صديقنا الحبيب د.عبدالقادر طاش - رحمه الله - وهو وفاء متواصل من (عبدالعزيز) لذلك الرجل الإعلامي الإسلامي الأصيل أبي عادل (عبدالقادر طاش)، ثم كانت الصورة المشرقة للوفاء متمثلةً فيما كشف عنه (أبو أسامة عبدالعزيز قاسم) من وفاء حمد القاضي لصديقه (عبدالقادر طاش)؛ حيث طلب منه أن يقدِّم تكاليف طباعة كتابه عن د.عبدالقادر؛ وفاءً من حمد له، وحباً وتقديراً، ومشاركةً فاعلةً في إعطاء ذلك الإعلامي المبدع حقَّه أو شيئاً من حقه، ولا سيما أنه رحل عن هذه الدنيا مبكراً، وفارقها فراقاً مفاجئاً. وفاء في وفاء يستحق منا الإشادة والتقدير والدعاء لأصحابه الأوفياء؛ فما أجمل الوفاء، وما أسعدنا به!! إشارة: يا عاشقَ اللحنِ ما أصلحتُ أوتاري=إلا لأعزف منها لحنيَ الساري