إذا لم تستطع ابتكار أنموذجك الخاص فإن القاعدة الطبيعية للبناء والتطوير أن تبدأ من حيث انتهى الآخرون، وهذه القاعدة تقتضي أن تعرف تجربة الآخرين بسلبياتها وإيجابياتها فتبني على الإيجابيات التي انتهوا إليها متجنبا السلبيات التي وقعوا فيها. سيقول بعضكم الآن هذه بديهية لا تتطلب شرحا ولا توضيحا، وسأقول حسنا معكم حق، فما رأيكم إذا كان هناك من يكرر خطأ فادحا وقع فيه غيره، بل إنه يسير في تكرار الخطأ حذو القذة بالقذة كما فعل المخطئ السابق؟ ستقولون هذا غير معقول، فلعل المخطئ الجديد لا يعرف الخطأ السابق، ويظن أن فعله سليم، وأقول حسنا هل هناك في المملكة من المواطنين والمقيمين من لم يسمع أو يقرأ عن بحيرة المجاري في جدة؟ ستقولون لا أحد، وسأقول أنتم مخطئون فهناك مسؤولون لم يسمعوا عنها أو أنهم سمعوا وظنوها – فعلا – بحيرة مسك، فأرادوا أن يظفروا بكنز مماثل من المسك في مناطقهم. يوم السبت الماضي كتب الزميل خلف الحربي في عكاظ عن بحيرة مجار جديدة سماها – بحيرة العنبر- في الجوف، وقال إن خطورتها تهدد الأحياء المجاورة لها، وفي نفس العدد من الصحيفة خبر عن بحيرة مجار أخرى سميت – بحيرة الفل – في محافظتي ضمد وصبيا بمنطقة جازان، حيث تتجه صهاريج المجاري لتفريغ حمولاتها في البحيرة على الرغم من توجيه أمير المنطقة الذي يمنع هذا الفعل، والسبب أن اللجان المعنية لم تحدد مواقع بديلة حتى الآن، ويبدو أن اللجان المعنية في جازان والجوف وغيرهما من مناطق المملكة لم تعلم شيئا عن تاريخ بحيرة المجاري التي حملت الاسم الشهير – بحيرة المسك - في جدة التي كان خطرها معروفا منذ سنين، لكن كانت هناك لجان معنية تركت الخطأ ينمو ويتعاظم حتى أصبح خطرا جاثما على قلب العروس إلى أن توفرت له الحلول التي مازال تطبيقها مستمرا. هذه التجربة المريرة التي عاشتها جدة مع بحيرة المجاري اشتهرت وعمت أخبارها القاصي والداني، فما المبرر لتكرارها في مناطق أخرى؟ أسأل وأنا أعرف أنه لا توجد إجابة مقنعة، وأخشى أن يصبح لكل مدينة بحيرة مجار خطرة تتشكل لها لجان معنية لاتعلم عن كوارث البحيرات الأخرى، وتتطلب بعد ذلك ميزانيات مليونية مضاعفة لمعالجتها، وكأننا وبحيرات المجاري من حولنا قوم يستمتعون بروائح وكوارث المجاري. الكارثة الأكبر أننا لا نستفيد من تجاربنا المحلية في معالجة الأخطاء، ونظل نكرر أخطاء بعضنا وكأننا بحاجة إلى كارثة في كل مدينة لنتلافى الأخطاء، إنها كارثة حقيقية معلنة.