كان في أحسن هيئة، وأجمل ابتسامة، وأكثر تفاؤل على الرغم من تجاوزه قرنا من الزمن يتمتع بذاكرة لم تشخ، يسعد بمن يزوره، ويأنس بمن يجالسه، كريم مع ضيوفه، إذا تكلم في أمور الدين فإنه الأقرب إلى التحبيب والأبعد عن التشديد، خير الأمور الوسط هكذا كان يقول. أما إذا تحدث عن قصص السلف فحديثه لا يمل يستشهد بما ورد في الكتاب والسنة، وسيرة السلف الصالح. عندما يتناول قصص السابقين من قومه فحديثه لا يمل يذكر الأشخاص والوقت والمكان والزمان وما دار فيه، أي أنه ينقل المشاهدة كما هي.. سريع البديهة واسع الاطلاع. ذلك جدي لامي الشيخ محمد بن قريط (رحمه الله) الذي فقدت في الأسبوع ما قبل الماضي بعض من سماته الشخصية التي لن أستطيع حصرها، ليس لعدم المعايشة أو المجالسة المتواصلة، ولكن لتعددها، واختلاف مراحلها، وتنوع أوقاتها الزمانية والمكانية. إذ ليس من المنطق أن تحصي مناقب رجل عاش (105)سنوات، لكني أذكره وهو من رواد تعليم الأبناء عندما تقدم للمطالبة بفتح مدرسة للبنين في بالحكم فكانت الموافقة إلا أنها افتتحت في قرية الحلاة، فكان رده على المعترضين: أولاد الحلاة أولادنا، وتعليمهم يهمنا، وعندما صدرت الموافقة بفتح مدرسة لبلحكم لم يجد لها مبنى إلا منزله فحوله إلى فصول للتعليم وسكن لمديرها ومعلم صبيانها الوالد المربي الشيخ إبراهيم الغبيشي رحمه الله. كنت أشاهده يتقدم أناسا كثيرين منهم والدي رحمه الله والشيخ يوسف بن شنان وبخيت بن شنان والوالد سليم بن سعيد والشيخ ذياب بن سعيد وابن عبهري وبدوي وعلي بن عبشان رحمهم الله جميع لإصلاح ذات البين. كان لجدي بن قريط مواقف عدة، ومنها: عندما وقف مع ربعه رافع راية بيضاء بين الجماجم وعنازة لإيقاف الاقتتال، أذكر وقفته في مواجهة المغالين في الزواج حتى تم تقليص الولائم وتحديد مهر العروس باتفاقية أخذت منه تسعة أشهر .. أذكر اعتكافه في الحرم الشريف طيلة شهر رمضان من كل عام .. أذكره وهو يقول من الشعر أبلغه، أذكره وهو يقول علوم الدرة والسيرة عن بالحكم بتكليف من الوالد جمعان بن أحمد رحمهما الله أذكره مع ابنه أحمد شافاه الله في أمتع السوالف. إنا لله وإنا إليه راجعون.