دعيت الأسبوع الماضي لزيارة مركز الأطفال المعاقين، الذين يحيط بهم طائفة من المعلمين والمربين ممن يحتسبون أجرهم على الله لنفعهم وإرشادهم. قفزت في ذهني صور تاريخية عظيمة بثثتها بين يدي القائمين على هذا المشروع النبيل. منهم (عبدالرحمن بن عوف) أحد تجار الصحابة الكبار، ومن العشرة المبشرين بالجنة، وهو يتحرك مائلاً (أعرج)، وقد شارك في كبرى الغزوات، و خدم أبناء جيله، حتى كانوا يقولون: إن أهل المدينة كانوا عيالاً على عبدالرحمن بن عوف، فثلث يقرضهم ماله، وثلث يقضي دينهم، ويصل ثلثاً بإحسانه وهداياه! و(عمر بن قيس بن زائدة) الصحابي المشهور (بابن أم مكتوم)، الذي كان يؤمِّره النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة، وهو (أعمى)! و(الأحنف بن قيس) الذي كان نموذجاً للمجاهدين والعلماء الربانيين، والثقات الصالحين، كان (أعوراً)، و(مائل الرجلين)! وسيدنا (عطاء بن أبي رباح) الذي قال عنه أبو حنيفة: ما رأيت خيراً من عطاء، وأنا أقول: ما قرأت لمجتهد مجدد في عصره مثل عطاء، وهو (أشلُّ، أعور، أعرج)! وعلامة الإقراء (الشاطبي) الذي تتلمذُ جامعات الدنيا اليوم، ومعاهد القراءات والقرآن على يديه، كان (أعور) لكن الله أكرمه برائحة المسك تخرج من فمه! وكذا علامة القراءات (قالون) الذي كان (أصم) لا يسمع، فكان من عجيب ما آتاه الله، أن ينظر إلى شفتي القارئ فيرد عليه اللحن والخطأ! وهذا (داود الأنطاكي) العلامة القدير، الحافظ للقرآن، المتقن للغة اليونان، الذي انتهت إليه رياسة أطباء زمانه، وكان معاقاً (ضريراً)! وهذا الإمام الأعجوبة (الحسن بن أحمد) الملقب (بابن فطيمة) كان قاضي قضاة زمانه، وكان يكتب الكتب والأوامر القضائية وهو (مقطوع الأصابع العشر)!، حيث كان يأخذ القلم، ويمسك بالورق تحت رجله، ثم يحكم القلم بكفيه كلتيهما، فيكتب خطاً سريعاً مجيداً، بل كان رغم هذه الإعاقة، خفيف الروح، مليح المجالسة، كثير السخاء والبذل! إن هذه النماذج رسالة من الرجال المعاقين الذين لا ينظرون إلى الخلف متباكين، بل ينظرون دائماً إلى الأمام متفائلين! فطوبى للعاملين..، والحمد لله الذي عافانا وأتم علينا نعمه وإن كنا لغافلين.