الجماهير عادة تتحرك بعواطفها ولذلك فهي تعشق من يعزف عادة على هذه العواطف، ولا أقول إنها لا تستجيب فقط لمن يخاطب عقولها بل إنها قد تكرهه لأن الحاجات الآنية للجماهير هي المقدمة حتى ولو كانت مؤقتة، بينما الاحتياجات الدائمة مستقبلا لا يرد التفكير فيها ولا يحوز من يتحدث فيها على القبول والرضا، خذ مثلالو قلت حرروا قطاعات الماء والكهرباء والبنزين وحولوها إلى شركات تجارية مثل قطاع الاتصالات ولا داعي للدعم الحكومي لها في مقابل إعادة النظر في أنظمة الضمان الاجتماعي والتقاعد بحيث يحصل كل مواطن محتاج على كفايته سكنا ومعيشة وعلاجا وترفيها مع فرض نظام ضريبي على مجالات استثمارية كثيرة تضاف عائداته إلى الزكاة التي تصب في مصلحة الضمان الاجتماعي بحيث يكون هناك واردات دائمة للمحتاجين لا ترتهن إلى دعم الحكومة)، أقول لو قلت شيئا كهذا فإنه لن يكون مقبولا لدى الجماهير مثل ما سيصفقون لو قلت أعطوا الناس الكهرباء والماء مجانا ولا مانع حتى البنزين فدغدغة العواطف تقتضي أن تلوح للناس بالمال والخدمات مجانا حتى ولو كان هذا غير معقول ويسبب خطرا مستقبليا قريبا عليهم. مجلس الشورى مهمته مخاطبة العقول وليس العواطف، وإعطاء القضايا الاستراتيجية أولوية مطلقة في النقاش ووضع الحلول الجذرية، وأعتقد أن المجلس اطلع على قرار مجلس الوزراء بتقديم قرض لشركة الكهرباء ب15مليارا لمدة خمس وعشرين سنة لمعالجة الأزمة المالية للشركة، وهذا حل مؤقت ستتجدد الحاجة لمثله بعد سنوات أقل من مدة القرض، ونفس الحال تعيشه شركة المياه الوطنية وربما أن حاجتها أكبر بكثير من الكهرباء، ورئيس شركة أرامكو حذر من تصاعد الاستهلاك المحلي للبترول الذي سيرتفع من ثلاثة ملايين برميل يوميا الآن إلى ثمانية ملايين برميل بعد عشرين سنة والدولة تدعم البنزين ببلايين الريالات سنويا وبعضه يجري تهريبه إلى الدول المجاورة بسبب رخص ثمنه في الداخل، وكل هذه المعلومات معلنة ومعروفة، ومجلس الشورى مطلع عليها وبإمكانه أن يتبنى مقترحات من داخله لمعالجتها على المدى الطويل ووضع حلول دائمة للمستقبل بدلا من إضاعة الوقت في مناقشة تقارير أداء ميتة، وتداول مقترحات عاطفية مثل زيادة مكافآت طلاب الجامعات ونحوها. لعل مجلس الشورى يدرك أن عشرين أو خمسة وعشرين عاما ليست بعيدة وأن هناك أزمات يجري تأجيلها أو معالجتها جزئيا بإيحاء عاطفي تدعمه الوفرة المالية التي لا أحد يضمن استمرارها، ولذلك ستكشر هذه الأزمات عن أنيابها بصورة شرسة ذات يوم، ومن العقل والأجدى وضع الحلول المناسبة لها في زمن الوفرة المالية والراحة النفسية، لأن الحلول في زمن الشح والتوتر تفرض نفسها فرضا، ويكون وقعها على نفوس الناس وجيوبهم مؤذيا مؤلما، ومن واجب مجلس الشورى أن يقرر أو يقترح ما يجنب مستقبل الوطن أي أذى أو ألم حتى ولو غضبت منه الجماهير التي تنعم بدعم استهلاكها اليوم وتظن أنه لن يتوقف ذات يوم. العواطف والأماني لا تبني مستقبل الشعوب.