الأخطاء الطبية وما أدراك ما الأخطاء الطبية ،إنها نتيجة طبيعية، إنها غصن من شجرة الخدمات الصحية المتردية، فهل يمكن معالجة الفرع والأصل مريض؟ اليوم تبدأ ثلاث وزارات في مناقشة مشكلة الأخطاء الطبية وهي أخطاء تحدث في العالم كله، ولكن بنسب متفاوتة تنسجم مع مستوى الخدمات المقدمة في كل بلد في العالم. وقد كنت أتمنى لو أن وزير الصحة عندما أعلن أن لدينا خطأ طبيا لكل مائتي ألف مواطن ومقيم أن أعلن النسب العالمية الأخرى في بعض بلدان العالم الأول والثاني، لنرى في أي مستوى نحن؟ إذ إننا متفوقون في عدد قتلى الحوادث المرورية عالميا، ويبدو أننا كذلك في عدد ضحايا الأخطاء الطبية التي تختلف عندنا عن نظائرها في العالم، لأن ما يحدث نتيجة خطأ بشري غير متوقع لسلامة وكفاءة كل الأنظمة والإمكانات السابقة له يختلف عن خطأ تفضي إليه كل أو بعض الأنظمة والإمكانيات السابقة له، وهذا أمر واضح يعرفه المسؤولون في وزارة الصحة قبل غيرهم وقبل أن يلمسه المراجعون لمنشآتها أو يكتوي بناره ضحايا الأخطاء . أمس قرأت في \"عكاظ\" عن حقن أحد عشر طفلا في القنفذة بتطعيمات منتهية الصلاحية في مراكز صحية مختلفة بالمحافظة، ولا أعرف ما هي الأخطار التي يمكن أن يتعرض لها هؤلاء الأطفال، كما لا أدري عن نتيجة الإجراء الذي سيتخذه مدير الشؤون الصحية هناك لإعادة الأمور إلى نصابها، ما هو نصابها الذي ستعود إليه واللقاح المنتهي الصلاحية أصبح في أجساد الأطفال؟ هذا أنموذج من الأخطاء الصغيرة التي تحدث لدينا ، فهل هو خطأ لامناص من حدوثه أم هو نتيجة طبيعية لمقدمات أقل ما يمكن وصفها بالإهمال إن لم يكن هناك ما هو أكبر من الإهمال ؟ مستشار وزير الصحة المشرف العام على علاقات المرضى الدكتور عبدالعزيز الدخيل قال إن 90% من شكاوى المرضى المقدمة إلى إدارات علاقات المرضى في المستشفيات غير صحيحة، ومعنى هذا أن بين كل مائة مشتك تسعين شخصا غير صادقين أو متجنين على الصحة أو جهلاء أو غير ذلك من الأسباب التي تجعل شكاواهم غير صحيحة، وهذا غير معقول. فلعل الدكتور الدخيل يراجع النسبة التي لو كانت العكس لانسجمت مع المستوى الذي يتحدث الناس عنه ويتعاملون معه. وأخشى ما أخشاه أن تؤخذ مثل هذه النسب دليلا على تطور الخدمات الصحية، وهي غير دقيقة قياسا للواقع المعاش. ما أريد أن أخلص إليه أن الأخطاء الطبية نتيجة طبيعية لأخطاء سابقة في الأنظمة وفي الإمكانيات وفي التجهيزات وفي الكفاءات من حيث الاختيار والتعامل، أي أخطاء في المنظومة الطبية والصحية التي يأتي الخطأ فيها نتيجة لمقدماته الخاطئة. ومعنى هذا أن مناقشة ومعالجة تلك المقدمات أولى من مناقشة النتائج، فعلاج الأصل أجدى من وصف ذبول الفرع، فالظل لن يستقيم والعود أعوج.