منذ أسبوعين تقريبا كتبت هنا عن ضرورة استحداث هيئة عليا للتوازن التنموي، وقلت إن التنمية حزمة واحدة تشبه جسد الإنسان في نموه، ولا بد أن يكون النمو متوازنا حتى يتحقق الهدف، وأشرت في هذا الصدد إلى النجاحات التي حققتها وتحققها وزارة التعليم العالي في افتتاح الجامعات وبناء مدنها الجامعية، وما ستحققه قريبا من طفرة في الخريجين الذين لن يجدوا عملا في المناطق التي تقع فيها الجامعات التي خرجتهم، مما يشير إلى خلل تنموي يتسبب في المزيد من الضغط على المدن الرئيسية بسبب استمرار الهجرة إليها، ومنذ أيام اطلعت على مقال نشرته صحيفة الاقتصادية يطالب كاتبه معتاد بن لافي الوهبي بافتتاح جامعة في حفر الباطن، وهو محق في مطالبته بسبب عدد سكان المحافظة الذي يزيد عن نصف مليون نسمة وعدد خريجي وخريجات الثانوية فيها الذي يزيد عن ستة آلاف سنويا، والمحافظة تبعد عن أقرب جامعة نحو 500 كيلو متر، لكن هذه المطالبة لو تحققت لا تكفي لتنمية المحافظة بصورة متوازنة، فتأسيس جامعة يتطلب تأسيس بنى تحتية واقتصادية أخرى تحقق التناغم والتوازن بين منتجات الجامعة وحاجة المحافظة بصورة عامة. صحيفة (الرياض) وفي ندوة الثلاثاء التي نشرتها أمس ناقشت هذا الأمر بصورة أشمل إذ طالبت بإعادة النظر في تصنيف المحافظات وفق أسس ديموجرافية، ورأت أن التصنيف الحالي الذي مر عليه نحو عشرين عاما أحدث فجوة تنموية بين المناطق والمحافظات أدت إلى اختناق في المدن الكبرى وغياب لأدنى الخدمات في بعض المحافظات، ورأى المشاركون في الندوة أن التعداد السكاني القادم يعد فرصة جيدة لاتخاذ قرار إعادة تصنيف المحافظات وفق معلومات دقيقة تتيح الفرصة لتتولى كل منطقة ميزانيتها وتنفيذ مشروعاتها بمعزل عن المناطق الأخرى. ومع إعجابي وتأييدي لهذه الفكرة الهادفة إلا أنني أعتقد أن إعادة النظر في عدد المناطق الإدارية بالمملكة وزيادة عددها سيكون حلا أشمل وأعمق من إعادة تصنيف المحافظات، ففي المملكة حاليا ثلاث عشرة منطقة إدارية بينما يمكن أن تكون ضعف هذا الرقم بالنظر إلى المساحة الجغرافية وعدد السكان ، وأتذكر أنني كتبت عن هذا الأمر منذ سنوات بالتفصيل، وأشرت إلى محافظات كبرى مؤهلة لأن تكون مناطق إدارية مستقلة وهي موجودة في معظم المناطق الإدارية الحالية ، وأعتقد أن هذا الأمر موضع دراسة لدى الجهات المختصة، أما الميزانيات المستقلة للمناطق فقد طرحت للنقاش ضمن الاجتماعات السنوية لأمراء المناطق ومازالت تطرح ولعلها تصل إلى الصيغة المطلوبة. إن الهدف من كل تلك الأفكار والصيغ هو تحقيق التوازن التنموي بين المناطق والمحافظات ولا شك عندي أن هذا التوازن هو هدف القيادة في بلادنا، لكن الأمر يتطلب قدرا من السرعة في تشخيص الحال واتخاذ القرار المناسب، خاصة ونحن نعيش وفرة مالية هائلة لا بد أن يعم خيرها كل شبر في بلادنا، والتخطيط الدقيق المتوازن كفيل بتحقيق ذلك، وزيادة عدد المناطق يسهل التخطيط والتنفيذ.