لكل شعب من شعوب الأرض تراث عريق، تسعى هذه الشعوب جاهدة للحفاظ عليه والتفاخر به والمشاركة بفلكلوره وألوانه المختلفة في أي محفل إقليمي أو عالمي، ولكل دولة ألعابها ومسابقاتها وأوقات ترفيهها التي لا تحدها عادات اجتماعية ولا تعيقها عقد أيدلوجية. فشعوب أقصى الشرق مثلا، لم يلعبوا مسابقة (الحصن) المعروفة، إلا بعد أن أغرقوا أسواقنا بمصنوعاتهم التكنلوجية التي لانستغني عنها، وشعوب أقصى الغرب لم يبتكروا مسابقة (تيلي ماتش) الشهيرة ومسابقات أخرى إلا بعد أن غزوا الفضاء وزرعوه بالأقمار الصناعية وأجهزة التجسس، واكتسحوا الأرض بأسلحتهم ومنتوجاتهم المتغلغلة في أدق تفاصيل حياتنا اليومية والشخصية!. شعوب درست وتدربت، اخترعت وابتكرت، أنتجت وصدرت، ثم أخذت نفسا عميقا لتمارس اللعب واللهو وتقيم مسابقات جمال النساء والخيول والكلاب والتيوس، وتدخل موسوعة جينس بمخترعات عظيمة تفيد البشرية وليس بأطول ثوب وأكبر صحن تبولة وأضخم قدر كبسة!. أما نحن فقد ملأنا الفضاء ضجيجا وصراخا ورسائل نصية ووسائط متعددة وتصويتا فارغا لأشياء تافهة واشتراكا مكلفا في مسابقات سخيفة، وتشجيعا باهتا لأندية بائسة ومنتخبات متهالكة، ثم انتقلنا إلى الأرض لنقيم المخيمات الفارهة والمسابقات الباذخة لمزايين الإبل، وعواجيز الخيول، فيما مزايين النساء يتكدسن بمئات الآلاف في معاقلهن الأسرية بدون زواج أو وظائف وعواجيز الشباب يتكاثرون على أرصفة البطالة!. مليون ونصف عانس تسجلها آخر الإحصاءات في المملكة، رقم مهول تراكم في عدة سنوات ينذر بانفجار أخلاقي مرعب وانعكاسات اقتصادية واجتماعية مخيفة، في ظل انعدام القيم المتوائمة مع هذه الثورة التكنلوجية العارمة، والأسباب ليست مجهولة للجميع، فمن غلاء المهور إلى بطالة الشباب الذكور الذين يعجزون حتى عن التفكير في فكرة الزواج، فضلا عن الحصول على وظيفة أو تملك مسكن، مرورا بصخرة العادات والتقاليد المتحجرة وليس انتهاء بعقبات أخرى لا أخالها تخفى عن البعض!. إن الملايين التي يصرفها المجتمع على مزايين الإبل وأشياء شكلية أخرى كان الأولى لها أن تصرف على مشاريع الزواج الجماعي، وبناء المساكن الشعبية، وإقراض المحتاجين لتأسيس مشاريعهم الصغيرة الخاصة وبناء المصانع والشركات التي توفر آلاف الوظائف لشباب أنهكتهم الأماني الكاذبة والوعود الزائفة والأحلام التي لايحتاجون لمن يفسرها بل لمن يحققها!. إن تجربة الزواج الجماعي الأخيرة التي شرفها سمو أمير منطقة مكةالمكرمة رسمت لوحة بهيجة لألف شاب وفتاة بدأوا حياتهم بهذه الفكرة الميسرة والناجحة. ولعل تكرارها في عدة مناطق يجعلنا نتفاءل بأننا مازلنا نحترم مزايين النساء ونفضلهن على ملايين النياق التي تصرف عليها ملايين الريالات دونما مردود وطني أو إنساني يذكر .. ويكفي.