يخطئ من يظن أن الحسد والغبطة مترادفان، فالحسد هو تمني زوال نعمة الآخر، ويصدر عن نفس مريضة بحب الذات وكراهية الآخرين، أما الغبطة فهي من طبيعة النفس البشرية، وتعني التطلع إلى الحصول على مثل ما لدى الغير من نعمة أو أكثر، فالغبطة محمودة، أما الحسد فهو مذموم، وقد نهى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عن ذلك في قوله: (لا تحاسدوا ولا تباغضوا)، وقال كذلك كما أورده ابن ماجه: (إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة)، وفي مسند الحافظ أبوبكر البزار عن جابر بن عبدالله عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أكثر من يموت من أمتي بعد كتاب الله وقضائه وقدره بالأنفس) قال البزار: يعني العين، يقول ابن كثير في تفسيره لآخر آية في سورة القلم ما روي عن جابر بن عبدالله من حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم قال: (العين حق لتورد الرجل القبر والجمل القدر وإن أكثر هلاك أمتي في العين)، لذلك كان النهي عن الحسد لآثاره السيئة على المجتمع إذ يوجد العداوة والبغضاء بين أبنائه. والعين والحسد يكونان من الإنس كما يكونان كذلك من الجن، ولنعرف ما يمكن أن يورد إليه الحسد من مواطن التهلكة، تعالوا بنا نقرأ بعض القصص القرآني الكريم في سورة يوسف عليه السلام، يقول المولى عز وجل: {لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ} (يوسف - 7)، والآيات أدلة، فلم يأت القصص القرآني عبثاً، إذ تلعب القصص في حياتنا دورا هاما منذ الطفولة إلى المشيب، ولم يخل القرآن الكريم من القصص، ولم يورد القصص إلا للموعظة، قال تعالى: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (الأعراف - 176)، والقصة أيسر في الاسترجاع والتذكر من غيرها ولو بأركانها ومضمونها، والقصة أسهل في الفهم من النصوص الرصينة، لذلك يقول المولى عز وجل للرسول الكريم: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} (يوسف - 3)، وقد ورد ما يشبه ذلك في سورة الكهف، إذ يقول رب العزة تبارك وتعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} (الكهف - 13) وهذا يعني أن القصص القرآني هو القصص الحق وغيره من القصص قد يكون غير ذلك، مثل التخيل والإبداع وغيره، ولم يأت القصص في القرآن عبثاً، ولكن جاء للتثبيت والتذكرة، مثل قوله تعالى: {وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} (هود - 120). والحسد يكون بالعين والقلب معاً وفقاً لما سمعنا ورأينا، ولا يقع إلا بإذن الله كنوع من الابتلاء لعباده، لذلك نجد أن يعقوب عليه السلام في نصحه لأبنائه يقول لهم: {يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} (يوسف - 67). فكيف إذا نتجنب الإصابة بالحسد، يمكن للإنسان المسلم تجنب الإصابة بالحسد إذا توكل على الله حق التوكل، وعدم الخوف إلا من الله عز وجل، والمداومة على الذكر وتجنب ظلم النفس وظلم الآخرين، ففي سورة الكهف ضرب الله مثلاً رجلين جعل لأحدهما جنتين من أعناب محفوفتان بالنخيل يجري بينهما نهر، فلما دخل صاحب الجنتين جنتيه أخذه شيء من الغرور، فقال: ما أظن أن تبيد هذه أبدا، والغرور لا يصيب المؤمن الحق، فهو يرد النعمة لخالق النعمة ويؤدي حقها في الشكر فلا تزول أما هذا المسكين فدخل جنته وهو ظالم لنفسه قائلاً: ما أظن أن تبيد هذه أبدا، ثم استدرجه الشيطان إلى الكفر بالخالق المنعم، فقال: وما أظن الساعة قائمة، ثم أصابه شيء من التذكر، فقال: ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيراً منها منقلبا، فماذا كانت النتيجة، النتيجة هي زوال الجنتين، ويرد عليه العبد الصالح فيقول: ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله، فالنعمة قد يصيبها الحسد من صاحبها إذا دخله شيء من الغرور أدى به إلى عدم الوفاء بحق الشكر للمنعم عز وجل. وقد يسأل سائل: من تصيب العين إذا كان الله عز وجل هو صاحب التصرف في الكون كله وما فيه ومن فيه؟ والجواب بسيط فالعين لا تصيب إلا من شاء الله ابتلاءه مثلما ابتلي يعقوب عليه السلام في الحسد الذي وقع بين أبنائه وأدى بهم إلى أن يلقوا بأخيهم يوسف عليه السلام في غيابة الجب، أو امرئاً لم يحسن الظن بالله فهو ضعيف الإيمان متواكل غير متوكل على الله. وينكر بعض الناس الحسد رغم ذكره في القرآن الكريم مثل قوله تعالى: {وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ} (القلم - 51-52) وقوله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } (البقرة - 109)، وللوقاية من الحسد يمكن للإنسان المؤمن المتوكل على الله حق التوكل أن يقرأ ما شاء من الأوراد وأن يتداوى بالقرآن ففيه شفاء مصداقاً لقوله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} (الإسراء - 82)، ويعرف الناس الكثير من طرق التداوي من الحسد. وليس معنى وجود الحسد أن نخشى من يعرف عنه أنه حسود، فالخشية لا تكون لغير الله، فالعين لا تصيب إلا من قدر الله عليه ذلك، ولنتذكر قول الله عز وجل: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} (الطلاق -3). يقول أبو العتاهية في شعره وقد تأخر عليه عطاء عمر بن العلاء: أصابت علينا جودك العين يا عُمر= أصابتك عين في سخائك صُلبةٌ= سنرقيك بالأشعار حتى تملها= نسأل الله عز وجل أن يكفينا شرور الدنيا ما ظهر منها وما بطن.