تمر بنا الساعات وكأنها قطرات المطر التي تظل تهطل فتتكون منها السواقي ثم الأنهار المنطلقة إلى أن تنتهي رحلتها في بحر أو محيط. كذلك أعمارنا دقائق وساعات تتحول إلى سنوات حتى إذا ما حانت لحظة النهاية غاب الإنسان ولكن إلى العالم الأكبر الخالد الذي لا ينتهي ولا ينقضي. دقائق العمر وساعاته تختلف باختلاف الأشخاص مع أنها في الأساس وسيلة دقيقة ومحددة لقياس الوقت ومعرفة الزمن ومعها الشهور والأعوام. الفروق ما بين الناس هو في حسن استخدام أو سوء استخدام هذه المقاييس الزمنية بين مستثمر لها أو مضيع، وبين مستفيد منها أو مهدر. قد يجلس زميلان أو زميلتان متجاورين تمر عليهما الساعات في العمل كل يوم، لكن ساعات كل زميل أو زميلة تختلف من حيث الإنجاز عن ساعات الآخر أو الأخرى حتى أن الفارق بينهما يغدو سنوات طوالا. إن وسيلة القياس لهذا الفارق هي في حجم الإنجاز المتحقق من استخدام الساعات، فالذي عمل بإتقان وبذل بإخلاص استطاع أن يصل إلى إنجاز أكبر وإلى توسيع قاعدة النتائج. هذا هو المؤشر الحق في أن الوقت هو الإنجاز، وهو في الوقت نفسه الذي يجعل الأعمار إنما تقاس بما قدمه أصحابها في حياتهم من أعمال لا بما عاشوه فيها من سنوات، وهو أيضاً الحافز الذي إن توفر في النفس استشرفت الجليل ونأت عن القليل، واختارت المفيد النافع لأنه أثقل في ميزان الحساب، وعندما يشتري الواحد منا نفسه بالذي يبقى في العاجل والآجل خير من أن يرخصها فلا يحصل إلا على الخسارة في الحاضر والمستقبل.