هناك مشكلة تتعلق باستيفاء المعلومات الضرورية اللازمة للادلاء بالرأي عند كثير ممن يتصدون للفتوى في وسائل الإعلام وخاصة في برامج الإفتاء المباشرة في القنوات الفضائية، حيث لا وقت لجمع المعلومات ولا روية لدى بعض الفقهاء بحيث يؤجل إعطاء رأيه حتى ينظر في المسألة من كافة الأوجه ولا يكتفى بالصورة التي جاءت على لسان ورؤية سائل عابر، ولهذا تأتي بعض الآراء الفقهية على الهواء في صور من الفتوى تثير الدهشة. الفتاوى في مجملها وكما هو معروف هي آراء فقهاء مجتهدين وهي تتفق وتختلف، وقد تتعارض بين حين وآخر عند الفقيه نفسه حين يتغير المكان أو الزمان أو المعطيات والمعلومات حول المسألة – أي مسألة – لكن بعض الناس يأخذ الفتوى في مختلف شؤون الدنيا وفروع الدين على أنها أمر قطعي لا تجوز مخالفته، وهنا تكمن الخطورة، إذ ليس كل الناس على مستوى من المعرفة يؤهلهم لإدراك أن في الأمر سعة واختيارا وعدم إلزام، ولعل أقرب الأدلة الحية على سعة الاختلاف بين آراء الفقهاء ما جرى ويجري لدينا حول موضوع الاختلاط، وما يتم تداوله حاليا حول الغرامات المرورية في المملكة. أقول هذا وأنا أتابع ردود الفعل المختلفة حول الفتوى المصرية بتحريم ال face book، وقد أعجبني الشيخ فرحات المنجي – من علماء الأزهر القدامى – الذي قال على شاشة العربية عصر يوم السبت الماضي: إن الذي أفتى بالتحريم لم يتعرف على الface book أصلا وإنما هناك من صور له جانبه السيئ فأفتى دون أن يعرف بقية الأوجه، وقال فرحات يجب أن نتجنب الزج بالدين زجا في كل أمر دنيوي، مستندا إلى حديث المصطفى –صلى الله عليه وسلم –(أنتم أعلم بأمور دنياكم). بطبيعة الحال هناك الآن من يرى وجاهة فتوى تحريم الface book هذه بحجج ومبررات مختلفة لكن لن يمر وقت طويل على هؤلاء المقتنعين بها حتى تصبح هذه الفتوى مثارا للتفكه، مثلها مثل أخواتها السابقات اللواتي حرمن التلفزيون وبعده – الدش – ثم الإنترنت وجوال الكاميرا وغيرها من مظاهر التقنية وتطوراتها الحديثة والتحولات الاجتماعية الحضارية الحتمية، والحال ليست جديدة، حيث أتذكر أنني قرأت قبل نحو عقدين رسالة عنوانها (القول المسبك في تحريم الساعة والكبك) وهناك ثروة كبيرة في هذا الباب الطريف، الذي ينمو ويتوسع بسرعة كبيرة، في ظل تسارع التطورات التقنية التي يأتي كل تطور منها بحمولته الثقافية، وفي ظل التحولات الاجتماعية الطبيعية التي تغذيها ثورة المعرفة العامة المتاحة والمتنامية، وكل ذلك يجعل الأمر عسير الاستيعاب والتفهم لدى بعض الفقهاء الذين لا يستعينون بالمختصين لتوضيح الأمور أمامهم قبل أن يعطوا رأيهم الشرعي. الخلاصة أن ظروفا وفرصا مختلفة تجعل عصرنا هذا من أخصب عصور الفتاوى الطريفة.