• كنت قد صادفته غير مرة في مهرجانات ومناسبات ثقافية مختلفة، وكان آخرها في مهرجان سوق عكاظ الثالث بالطائف، وفي جلسة حميمة صاخبة بوجوه وشجار المثقفين والأدباء في بهو الفندق المعد لاستقبالهم، مازحته جادا قائلا: «يعجبني فيك يادكتور أنك المثقف المسؤول الذي خلع جلباب الرسمية وعباءة البرجوازية».. فرد ببساطة المثقف الحصيف: «أنا لم ألبس هذه الأشياء أصلا حتى أخلعها»! • والدكتور عبدالعزيز السبيل من الشخصيات التي تقتحم القلب دون استئذان.. يغمر الروح بابتسامته الصافية كماء المطر، وثقافته الغزيرة كرمل الصحراء، وحضوره المثري كغمام السماء.. يشعرك هذا الرجل كلما قابلته أو جالسته أن الأدب بخير، والشعر حي يرزق.. وأن مستقبلنا الثقافي أكثر إشراقا وغبطة! • يتعامل مع الجميع بأريحية المثقف وشفافية الشاعر وأدبيات المحاور المنصت ولباقة المتحدث المقنع، محتويا كل الأطياف الفنية والتيارات الفكرية تحت مظلة الثقافة والإعلام. • استطاع أثناء توليه مهام الشأن الثقافي في الوزارة أن يضخ الجمال في أوردة الأندية الأدبية بإعادة تشكيل مجالسها، وتحطيم التماثيل المحنطة على جدرانها عشرات السنين، وتكريس ثقافة الانتخاب. • كما شرع في إعادة ترتيب أوراق الغيم لأراوح سئمت التعقيد والروتين في فضاء منذور للشدو والتحليق دونما قيود، وذلك بإرساء معرض الكتاب السنوي ومصاحبته للفنانين والأدباء والمثقفين، فتجده يرعى حفلا في جازان ومهرجانا في الطائف ويفتتح معرضا في جدة ويشارك في ندوة في الرياض ويزور متحفا في القصيم .. يجول الدروب والقلوب دون عناء أو منة، وهو بذلك يجسد دور المثقف الحر والمسؤول الحقيقي المهموم بالحراك الثقافي والفكري في وطن تتموج فيه الأفكار المتنافرة، والمشارب المتباينة! • وليس هنا مجال لذكر إنجازات الرجل ولكنها حسرة على رحيله بعدما اكتملت اللوحة البهيجة بوجود وزير شاعر ووكيل وزارة مثقف ومتنور يحمل شؤون وشجون الثقافة بين أضلعه كواجب وطني بعيدا عن الحفلات الاستعراضية وبمنأى عن استغلال المنصب لتحقيق مصالح ذاتية أو منافع شخصية! • في إحدى جلساتي مع شاعر جميل دارت دفة الحوار حول عدم إمكانية المهتم بالشأن الثقافي ماديا أو عمليا من الحضور للملتقيات الثقافية التي تبعد عن منطقته مئات الكيلومترات، قال لي: «ليس عليك سوى أن تبعث فاكسا ببياناتك إلى مكتب رجل جميل يدعى (عبدالعزيز السبيل) ليكفيك تكاليف الرحلة والإقامة.. فهو أدرى بمثقفي الوطن من سواه».. ويكفي!