حضرت الأسبوع الماضي المؤتمر الصحفي الذي نظمته إمارة منطقة مكةالمكرمة، تحت رعاية الأمير خالد الفيصل، وذلك بمناسبة عقد (الاتصالات) كراعٍ رسمي لحملة (الحج عبادة وسلوك حضاري). والمؤتمر كان ثريًّا بأسئلته ومداخلاته، وزادته شخصية الأمير خالد الفيصل حضورًا أكبر، وطرحًا أكثر عمقًا وشفافيةً!! ** تناول المؤتمر (تصريح الحج) كعملية محورية في تنظيمات الحج تتحقق من خلالها مجموعة من المعطيات، حددها الأمير في تسعة جوانب، وتأتي القضية الأكثر تعقيدًا هي (الافتراش).. الظاهرة التي تتكرر كل عام، بكل سلبياتها الأمنية، والصحية، والبيئة! و(الافتراش) على مدار سنوات طويلة يمثل أحد أهم معوقات التنظيم داخل المشاعر المقدسة، وبالذات داخل مشعر منى! فكيف يمكن للخدمات الصحية، والبيئية، والخدمات الأخرى أن تخترق تلك المجاميع الهائلة، وهي تفترش الأرض، وتسكن الأرصفة؟! ناهيك عن تعويقها للحركة المرورية، بما في ذلك سيارات الإسعاف والدفاع المدني! ** مشاكل كثيرة تسببها ظاهرة الافتراش! والغريب أنه لسنوات طويلة والصحافة تكتب عن (الافتراش)، وفي النهاية يبقى الوضع على ما هو عليه، لا الصحافة توقفت، ولا الظاهرة اختفت! والسبب ببساطة أننا رغم وعينا الكامل بخطورة هذه المشكلة أو الظاهرة، إلاّ أن جهودنا تركّزت على محاولة القضاء عليها في منى، وهذا أتعبنا دون أن نصل إلى حل!! لأننا كنا نركّز على معالجة (الناتج)، ونسينا دون أن ندري معالجة (السبب)!! ما يحدث (هنا) في منى هو (ناتج) لأشياء كثيرة، أمّا (أسبابها) فقد تكون (هناك)، وأكثرها تحديدًا خارج مشعر منى!! ** فهناك متخلّفون بالآلاف، وأحيانًا أحياء في مكةالمكرمة بأكملها لجاليات كالبرمة والأفارقة.. وهناك متخلّفون من العمرة إلى الحج.. وهناك مخالفون لأنظمة الإقامة.. وهناك عمالة سائبة تهيم على وجهها في الشوارع!! كل هذه الفئات حين يأتي موسم الحج تحزم أحاريمها وتحج دون أن يكون عندها القدرة، أو يكون لديها خيمة، وتصبح الشوارع والأرصفة في منى هي سكنهم المجاني! والقضاء على هذه الظاهرة يجب أن يعتمد بالدرجة الأولى على القضاء على أسبابها، أي تجفيف مصادرها أولاً! وحين يكون ذلك سنجد تلاشي حدة الظاهرة في منى. على أنه في المقابل هناك في منى حجاج يلجأون إلى الافتراش، وهم لم يكن ينوونه منذ البدء، وذلك بسبب ما تحدثه لهم مؤسسات حجاج الداخل، فبعض الحجاج تخدعه الدعايات المضخمة لمؤسسات حجاج الداخل، وحين يصل منى يجدها في أقاصي منى، وأحيانًا مؤسسات وهمية فيضطر إلى أن يجعل من ساحات جسر الجمرات والشوارع المحيطة به بدائل سكنية حتمتها الضرورة، أو حتمتها رغبة في القريب المتيسر! ** وفي نظري فأيًّا كانت الأسباب والمسببات إلاّ أنها تظل هي الأحق الأول بالمعالجة، نريد أن نصل منى بأدنى الأسباب حتى يسهل استكمال المعالجة! وتظل هذه التشعبات جوهرية، يجب التركيز عليها؛ لأن (التصريح) رغم جماله التنظيمي، إلاّ أنه لا يمكن أن يحمل عصا سحرية لعلاج ظاهرة الافتراش دون مسبباتها! (التصريح) هو جزء من الحل، وليس كل الحل! والسبب ببساطة أننا أمام بوابة ضخمة جدًّا مفتوحة على المشاعر المقدسة هي مكةالمكرمة! والحل يكمن في شمولية معالجة كل الأسباب التي تؤدي إلى وجود هذه الظاهرة! ** ويبقى أن أشير إلى شيئين مهمّين يجب استحضارهما عند الحديث عن تصاريح الحج، واستشففتهما بوضوح من لغة الأمير خالد. أولهما: التطبيق الجاد لعملية تصاريح الحج.. فلا حج إلاّ بتصريح!! علينا أن نعي هذا، وأن نعي ألاّ عودة للعشوائية، وعلينا أن ننتقل (ذهنيًا) من مرحلة التفكير في الحملة إلى مرحلة التفكير في التطبيق والالتزام! وثانيهما: أن هناك رغبة أكيدة في أن يكون (التصريح) كقيمة وكخدمة عملية ميسرة في يد الحاج! وفي هذا تأكيد على أن المقصود (بتصريح الحج) هو التنظيم لا التعقيد، كما أنها تعطي دلالة أن المنظم لا يتلو تنظيماته من برج عاجي، ولكنه مع الناس في أحوالهم وظروفهم! ويظل التفافنا حول هذا الامر بكافة شرائحنا مطلبًا ملحًّا من أجل أن يكون حجًا أكثر تنظيمًا، أو من أجل (سلامتنا، صحتنا، أمننا) كما قال الأمير! خاتمة: أحدنا يشعل السراج، وكلنا نستضيء.