ليس مستغربا أن يطرح هذا السؤال وليس غريبا أن نبحث عن الإجابة. ولكن مسعى البحث قد لا يكون بالسهولة التي يتصورها القارئ لان اليمن بلد عريق وكبير ومعقد التركيبة وله - على جيرانه - حق الجوار وروابط الماضي ومصير المستقبل، ولهذا فان السؤال واجب يفرضه الواقع في هذه المرحلة وضرورة البحث عن الإجابة مسؤولية جديرة بالاهتمام. ومشوار تقصي الحقائق يبدأ بمعرفة بعض الأمور الأساسية منها: * أن سكان اليمن وصل تعدادهم ستة وعشرين مليون نسمة. * والمساحة الإجمالية 530000 كم مربع. * والدخل القومي في حدود (27مليار دولار سنويا). * ومعدل الأمية عالٍ جدا، ويوجد بها ست جامعات. وجغرافياً: يقع اليمن في جنوب شبه الجزيرة العربية، ويطل على بحري العرب وخليج عدن من الجنوب... وعلى البحر الأحمر من الغرب... وله حق السيادة على مضيق باب المندب الذي يعد من أشهر الممرات المائية والاستراتيجية في العالم، ومناخه معتدل على مدار العام حيث تهطل الأمطار في بعض المناطق بغزارة وقد اشتهر بالمحاصيل الزراعية بشتى أنواعها وقد نعته الرسول عليه الصلاة والسلام باليمن السعيد. والأغلبية العظمى من مساحته جبلية، وصحراوية، ويبلغ طول سواحله البحرية 1906كم تقريباً، وبه ميناء عدن الشهير الذي استخدمته الامبراطورية البريطانية كمحطة لتموين سفنها البخارية بالفحم لحقبة من الزمن تزيد على مائة عام، ولم تتخلَّ عنه إلا في بداية السبعينيات من القرن الماضي بعد تقلص نفوذها، وتطور تقنيات المواصلات البحرية. وحكمه رئاسي جمهوري وبه عدد من الأحزاب السياسية. هذا باختصار مسح موجز للمكونات الرئيسية في اليمن، اقتصاديا، وسياسيا، وجغرافيا. وقد انقسم اليمن إلى شطرين شمالي وجنوبي، عند ما احتل البريطانيون الشطر الجنوبي وبقي الشمال تحت، إمامة آل حميد الدين، إلى أن حصلت الثورة في عام 1962م ثم عاد وتوحد في 22/5/1990م. ومن العوامل الرئيسية التي توثر في الحياة العامة في اليمن: القبلية، وتجارة القات، وتوفر السلاح، حيث تمتد آثار هذه العوامل في نسيج المجتمع اليمني حتى إنها تكاد تطغى على كل المظاهر الأخرى، ولا بد أن نتذكر بان العوامل الثلاثة التي ذكرناها، تدعم وجود جو من الفوضى السائدة في اليمن واتساع هوة الفقر، والفساد الإداري - منذ زمن بعيد - وتغذيها تداخلات خارجية لأسباب محلية ودولية، وما حركة الحوثيين الأخيرة ومن وراءها إلا اكبر دليل على هشاشة الوضع الأمني في هذا البلد الذي يستحق أفضل مما حظي به في العقود الماضية من الأمن والاستقرار. وبالعودة إلى عنوان المقال عن ماذا يعنيه أمن اليمن للدول المجاورة والى أي مدى يجب أن تهتم بالتطورات المحلية والمؤثرات الخارجية على أمنه واستقراره؟ فان الواقع يستوجب عدم تركه ليتحول إلى صومال ثانية تصدر مئات الألوف من الفارين من ويلات التطرف وشظف العيش، بحثا عن الأمن ولقمة العيش في دول الجوار... التي هي أيضا مثقلة بهمومها الداخلية... وأي تدفق بشري بأعداد كبيرة من الخارج، يزيد من مصاعبها الداخلية ويؤثر على برامجها التنموية. وما يحصل في اليمن يجب أن يهم دول الجوار، ويستوجب مساعدته للتغلب على الأزمات التي يمر بها، لكي لا تزحف الأزمة إلى الدول المجاورة، وبذلك تتضاعف الصعوبات وترتفع تكلفة الحلول. والمملكة العربية السعودية على الدوام تراعي خصوصية الجوار مع اليمن وتدعم أمنه واستقراره ولم تتوقف عن الوقوف بجانبه في أزمنة الرخاء والشدة معا، وعندما يبرز على السطح ظاهرة الحركات المتطرفة مثل حركة الحوثيين فان الأمر لم يعد مسؤولية اليمن لوحده لان النماذج المتطرفة... مثل الأمراض السرطانية... تبدأ بسيطة وتنتشر سريعا حتى تسيطر على مقاومة الجسم بالكامل... إذا لم تستأصل في وقت مبكر... وخاصة إذا كان وراءها جهات أجنبية تغذيها بالمال والسلاح وتوفر لها تسهيلات لوجستية. ولهذا فان على دول الجوار مراقبة ما يحصل في اليمن بحذر، ومد يد العون للسلطة المركزية، قبل أن تتطور الأزمة وتتسع رقعتها، لتصبح مشكلة إقليمية وتتضخم أعباء علاجها على كل الدول المعنية... والله من وراء القصد.