** يوم الخميس الماضي كنت متوعكاً.. من حالة برد، وكان لابد أن آخذ دواء، في البداية استخسرت أن أدفع قرابة ال \"150\" ريالاً للمستوصف الأهلي في حي - أبرق الرغامة - شرق جدة، وقلت إن أولادي أولى بالمبلغ، وقررت كمواطن سعودي من حقه أن يجد خدمة مجانية صحية، أن أُعرّج على مركز الرعاية الأولية في الحي، كنت متأكداً 100% أن المركز سيكون مغلقاً فنحن في يوم الخميس، غير أنني قلت في نفسي: \"سبحان الله، لعل الأمور تعدلت فنحن في أيام وزارة بقيادة جديدة، وشؤون صحية بإدارة جديدة، فلعل وعسى\".. لكنني للأسف وجدت الأمور كما هي، وكما توقعت سلفاً، أبواب موصدة، ومبنى تصفر في جنباته الريح، ولا يحوم حوله في تلك اللحظة من بعد صلاة الظهر سوى طيور السماء، التي لحسن حظها أنها لا تراجع ولا تحتاج خدمات مركز حارتنا، والاّ لشاركتني حالة الأسى في تلك الهاجرة المتخمة بالرطوبة والحرّ. ** غادرت المكان ,أنا اتحسس محفظة نقودي كالعادة كلما داهمنا عارض صحي، ورحت أعدّ النقود عداً لمن قدم لي ما احتاجه من أدوية، وأنا أشكره كثيراً، لأنه لولاه بعد الله، لظللت انتظر بقية الخميس ويوم الجمعة، حتى تتفضل علينا وزارة الصحة، وتفتح مركزها البائس صباح السبت، ثم ننتظم في طابور طويل، حتى نصل إلى الطبيب الوحيد بالمركز، الذي سيتكب لنا الدواء حتى قبل أن نكمل له روايتنا عما نتوعك منه، وبنفس الاسلوب القديم الذي كان يجري فيه الكشف الطبي على اجدادنا قبل عشرات السنين. ** بالمصادفة قرأت في ذلك اليوم تصريحاً لمعالي وزير الصحة الدكتور الربيعة في عكاظ، عنوانه \"5 ملامح لخطة الرعاية الشاملة\".. تصريح يشي بالأمل، ويدعو للتفاؤل، لكننا حقيقة شبعنا، بل واتخمنا من هكذا تصريحات، ومن هكذا وعود في الهواء، ولم نعد ندري ما يصدق منها، وما يأتي \"من جنب القدّة\" بحسب تعبير الكاتب الساخر الاستاذ محمد الحساني، فما تراه عيوننا على الأرض، هو في الواقع أمر مخجل للغاية، حيث الخدمات الصحية بالقطارة في مدينة مكتظة مثل جدة، سواء من قبل المستشفيات قليلة العدد، أو من قبل مراكز الرعاية الأولية البائسة الخدمة، والضعيفة العدة والعتاد، والتي تعمل على طريقة اقرب إلى مفهوم \"مشّي حالك\"!! ** أظن أن أحداً لم يعد عنده أمل في مراكز الرعاية الأولية، وخصوصاً عندنا هنا في جدّة، أن يعافي الله هذه المراكز من كساحها المزمن، وتوعكها المتواصل، وجثوها على الأرض، وكأننا عاجزون اداريا وفنيا وماليا أن ننهض بها، وأن نحولها من حالها الذي لايسر حالياً، إلى مراكز متوهجة، وعنواناً عريضاً على خدمة الناس بأسلوب صحيح، يثبت لكل أحد أن هناك قدرات ادارية استثنائية، قادرة على تحويل صورتها الكلاسية، إلى شيء آخر يبعث على البهجة والسرور، ويجعلنا \"نرفع لها الغترة والعقال\" تحية وتقديراً. ** لا أدري حقيقة هل في مقدور أحد من إخواننا المتنفذين في وزارة الصحة أن يقرأ هذه السطور، ويساعدنا نحن المراجعين لمراكز الرعاية الأولية في جدة، على تعديل احوالها، بحيث تبدأ رويداً رويداً في الارتقاء بخدماتها لنا، وفي فتح ابوابها لنا، يومي الخميس والجمعة، وفي فتح قسم للطوارئ على مدار الساعة أم أن الجميع مشغولون هذه الأيام بأمر انفلونزا الخنازير، وحكاية امصال اللقاء المثير للجدل، وأن الأمر برمته مؤجل حتى تنقشع هذه الغمّة، وعندها \"لكل مقام - مقال\"؟!!