التردد في اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب سمة غالبة في مجتمعاتنا العربية، فالقيادات التقليدية عادة لا تحب التغيير، وتؤمن بأن الموجود هو الأفضل؛ لأنه في نظرهم يؤدي الغرض وكفى، دون الالتفات إلى حلول أخرى قد تكون هي الأفضل كثيرًا، وتؤدي الغرض بكفاية وكفاءة عاليتي المستوى، أيّ أنها تحقق الأهداف المرجوة بنسبة عالية.خذوا الدخان مثلاً، والمطالبات الكثيرة المتعددة بضرورة رفع الرسوم عليه؛ كي يصعب على المبتدئين الشروع في برنامج الإدمان عليه، والاستمرار في طريقه المؤلمة المنتهية إلى موت بطيء، أو عيشة غير هانئة. أخيرًا رُفعت الرسوم، وارتفع سعر الدخان بنسبة 20%، فانعكس ذلك تراجعًا في المبيعات، وإقبالاً على عيادات الإقلاع عن التدخين بسبب هذا الارتفاع الذي أحسبه بسيطًا وغير كافٍ، فالأصل أن يُضاعف سعره كل سنتين أو ثلاث، ولتذهب الزيادة إلى علاج المقلعين والنادمين على ممارسته.ولو أن قرارًا مثل هذا صدر منذ أمد طويل، أي في الوقت المناسب، فلربما كانت النتائج أحسن من ذلك كثيرًا.طبعًا القضية ليست صنع صاروخ عابر للقارات، ولا قنبلة نووية تحيل الأحياء إلى أموات، وإنما هي تجارب الأمم الأخرى المعاصرة المكتوية مثلنا، بهذا البلاء الشديد والسلوك البغيض.وهذه سابقة أخرى في مسألة أخرى، هذه فرنسا ممثلة في مجلس وزرائها تدرس فكرة جديدة للحد من حوادث المرور القاتلة. الفكرة تقول إن المخالفة المرورية الخطيرة جريمة لا يجوز التهاون مع صاحبها أبدًا، خاصة إذا كان في حالة سُكْر، ولذا فلا أقل من مصادرة السيارة بصفتها أداة الشروع في القتل، وبيعها لصالح خزينة الدولة إن كانت في حالة جيدة، أو إتلافها فورًا إن كانت غير ذلك. صحيح أن حالات السُّكْر لدينا ولله الحمد قليلة، لكن المتهورين (الصاحين) خطرون جدًا أضعاف سكارى فرنسا، ولذا فالواجب أن يُعاملوا كما يُعامل السكران هناك، لأن كلا الطرفين في الواقع قد (أجرّ) عقله، وزاد طيشه، واشتد عبثه. الآن الآن وليس غدًا، فاقدموا يا أصحاب القرار، والله يرعاكم!!