تدخل في غيبوبة العيد وأنت محاصر من نواح شتى -والمدارس شارفت على قرع أجراسها- بمخاوف هلامية من انتشار فوبيا المرض المرعب في زمن الدجاج والخنازير والبقر، بين أطياف شعب تحكمه العواطف وتجرفه الشائعات إلى غياهب التأويل! تخرج من غيبوبة العيد ورأسك متكوّر بالتساؤلات المتماهية بين خروج المنتخب المرير وسجالات التيارات الفكرية التي ضاقت بها بقعة جغرافية استوعبت ذات زمن ثلاثة أديان سماوية! ومن مسلسل خروج المنتخب إلى فيلم ولوج الأصوات المتناحرة فكرا وتوجها على امتداد أفق يمثل ظاهرة صحية ثقافيا واجتماعيا، بعد ردح من الزمن وسيطرة الفكر الواحد وتسيّد الرأي الأوحد.. أضحينا نتناقش ونتجادل ونؤمن بثقافة الحوار وإن كان هذا محصورا على حدود النخب الدينية والثقافية إلا أنها مستقبلا ستشيع هذه الثقافة الشحيحة في تفاصيل حياتنا اليومية. فهذه سنة الحياة، وتدافع الأفكار بعضها ببعض مؤشر مفرح على أننا استوعبنا دروسا مضت كادت أن تمزق الوحدة وتشق الصف. وبعيدا عن التصنيفات الأيدلوجية والاجتماعية والشخصية، يظل هذا الحراك الثقافي/ الديني يحمل دلائل مبهجة، وإن غلبت السفسطة على الموضوعية وتعالت لغة العاطفة المشحونة آيدلوجيا ضد الآخر؛ أيا كان توجهه، إلا أنها بوادر انفراج أزمة ثقة بين قطبين محتقنين! هناك الكثير من الشعارات البراقة والنصوص اليقينية التي يتكئ عليها كل طرف، ويظل يرددها ويعتنق أفكارها، ولكن عند المواجهة تنتفخ الأنا وتتضخم الذات لسحق الآخر تغريبا أو تكفيرا! إننا مجتمع كباقي المجتمعات لن يقف ضد التيار التنويري والمشروع الإصلاحي الكبير الذي تبناه قائد الحوار والإصلاح الأول عبد الله بن عبد العزيز، مجتمع يضج بالأفكار والمفكرين ويمور بالأحداث والتقلبات الحضارية والاجتماعية، مجتمع يرفض الوصاية على فكره أو معتقده أو وطنيته، وإن اختلفت المشارب وتعددت المآرب نظل وحدة متماسكة تؤطرنا المحبة والألفة. إذن لنختلف ونبقى أصدقاء، ونتثاقف ونظل أكثر وعيا.. فما نؤسسه اليوم ستشيد بنيانه أجيالنا القادمة لينعموا متسامحين هانئين، وننام نومتنا الأخيرة ونحن مطمئنين على مستقبلهم الأكثر بياضا وإشراقا.. ويكفي.