سورة التوبة أو «براءة» من السور الطوال التي ركزت على قضية واحدة رئيسة لعظم أهميتها، ألا وهي قضية النفاق والمنافقين، أعاذنا الله جميعاً من هذه الصفة الرديئة البغيضة. ولأن حال هؤلاء موكول إلى الله عز وجل، وسرائرهم في علمه وحده لا غير، فإن من الممقوت المحظور اتهام هذا أو ذاك بصفة النفاق، لكن ثمة مؤشرات حسية وأخرى فكرية قد يتلبس بها من في قلبه مرض، وهي مرة أخرى راجعة إلى صاحبها، وليس مهمة أي منا إسقاطها على زيد أو عبيد. ومن الصفات التي ذكرتها سورة التوبة مثلاً: (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى)، ومنها أنهم من الخوالف دائماً عن نداء الحق لا يحبون تعباً أو نصباً في سبيل الله، ومنها أنهم يجيدون اللمز (ومنهم من يلمزك في الصدقات..)، والقائمة طويلة. ومن هؤلاء من تقسو قلوبهم لدرجة الاستهزاء بالله وآياته ورسله. وهذا أبو العيناء من السلف القديم يروي عن جارية رآها مع النخاس، وهي تحلف أن لا ترجع لمولاها فسألها عن السبب، فقالت: يا سيدي، إنه يواقعني من قيام، ويصلي من قعود (أي نشيط أثناء المواقعة، لكن يصلي جالسًا من شدة الكسل)، ويشتمني بإعراب، ويلحن في القرآن، ويصوم الخميس والاثنين، ويفطر رمضان، ويصلي الضحى ويترك الفرض، فدعا عليه أبو العيناء قائلاً: (لا أكثر الله في المسلمين مثله). وتبلغ الوقاحة ببعض هؤلاء درجة يصفها أحدهم بقوله: (لو دق الحجارة بوجهه لردها، ولو خلا بأستار الكعبة لسرقها)، وقال أحد الشعراء : إذا رُزق الفتى وجهاً وقحاً=تقلب في الأمور كما يشاء وقال آخر يهجو أحدهم لشدة وقاحته : لو أن لي من جلد وجهك رقعة=لجعلت منها حافراً للأشهب ويظل عبدالله بن أبي بن سلول من أكثر المنافقين وقاحة، حتى بلغ به الحال قوله: (لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل..) ناسباً العزة إلى نفسه الوقحة المريضة، والذلة للنبي الأجل عليه السلام وصحبه الكرام. النفاق ماركة (مسجلة)، ولكنها (خفية)، نسال الله منها السلامة.